السفير: الأسـد يرسم اليـوم معالم الخروج من الأزمـة: إصلاحات واسعة … لا تلامس القضايا الخلافية

يلقي الرئيس السوري بشار الأسد كلمة ظهر اليوم يرسم فيها مستقبل الحياة السياسية في البلاد، كما يتطرق إلى الوضعين الاقتصادي والأمني، وذلك في خطاب قال مسؤول سوري  إنه «شامل، ويتعرض لقضايا جدية عميقة على المستوى الوطني». ويترافق تطور اليوم مع تطور آخر مهم، وإن كانت آثاره الدبلوماسية لم تظهر بعد، يتمثل في سماح السلطات السورية لموظفي البعثات الدبلوماسية الغربية بزيارة المناطق المشتعلة.
ومن المتوقع، أن يقدم الخطاب حزمة الإصلاحات الكاملة التي أقرّت أو تلك التي تنتظر النقاش لإقرارها، وذلك وسط الضغوط التي تمارس على النظام السوري لربط الوعود بالأفعال والتقدم نحو إصلاحات أكثر عمقا وتحديد مواعيد لها.
ولكن لا شيء حتى الآن يشير إلى احتمال انفتاح الأسد على المواضيع الخلافية الأساسية. ويقول دبلوماسيون إن النظام السوري، بعد مرور ثلاثة أشهر على المواجهات، لم يظهر اي رغبة فعلية في إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تحصر بحزب البعث قيادة الدولة والمجتمع، ولكن النصائح التي أسديت إلى دمشق، خصوصا من قبل الروس بغية التقدم بخطوات إصلاحية عميقة قد تدفع الأسد في خطابه اليوم إلى التعبير مداورة عن احتمال تعديل هذه المادة.

وأما بشأن المعلومات التي تسربت على مدى الأشهر
الثلاثة الماضية حول مطالب تركية وقطرية بغية إقناع النظام السوري بإشراك جماعة الإخوان المسلمين في السلطة أو في عدد من الإدارات الرئيسة للدولة، فان دبلوماسيين عربا لهم علاقة مباشرة بالموضوع، يعربون عن تشاؤم واضح في هذا الشأن، ويؤكدون أن دمشق ماضية في إغلاق الباب على هذا الملف، وليس منتظرا بالتالي أن يعبّر الأسد في خطابه عن أي رغبة بالانفتاح على «الإخوان». على العكس تماما قد يسير الخطاب الرئاسي بالاتجاه الآخر تماما، أي بالاتجاه الاستئصالي الذي استخدمه الرئيس الراحل حافظ الأسد. ويبني هؤلاء تقديراتهم على التصريحات والتسريبات السورية التي تشير إلى جماعة «الإخوان» من دون أن تسميها علنا، على أنها مناقضة تماما للنظام العلماني وأنها تساهم في زعزعة الاستقرار الأمني.
وقد ساهم في هذا التشاؤم، التصريحات الأخيرة للمراقب العام للإخوان المسلمين رياض الشقفة الذي قال في حديث لقناة «فرانس 24» إن المعركة مستمرة ضد النظام حتى إسقاطه، رغم تأكيده أن لا علاقة مباشرة لجماعته بالمسلحين.
وينتظر المراقبون ما سيقدمه الأسد اليوم من معلومات حول ما تصفها دمشق بـ«المؤامرة» التي تتعرض لها سوريا، ذلك أن التسريبات السورية تؤكد منذ فترة العثور على خيوط كثيرة من هذه المؤامرة. كما ينتظرون ما سيقوله حول نتائج العمليات
العسكرية الواسعة التي يشنها الجيش السوري خصوصا عند المناطق الحدودية. وليس مستبعدا أن يسعى الرئيس السوري إلى طمأنة شعبه وتقديم تبريرات لهذه العملية الأمنية.
ونظرا للوضع الدبلوماسي الدقيق الذي تمر به سوريا، وتكثيف الضغوط والعقوبات الدولية عليها، والحاجة المقبلة إلى مصادر مالية واقتصادية، فمن غير المنتظر أن يحمل الخطاب أي اتهامات لدول أو جهات عربية أو غيرها تعتقد سوريا أنها متورطة في التآمر عليها.
ويلقي الأسد خطابه المنتظر في قاعة تابعة لجامعة دمشق بحضور قيادات سورية وحضور شبابي، خصوصا أن الخطاب يأتي بعد أيام من المسيرات التي أقيمت في محافظات مختلفة تؤيد الرئيس السوري وتـــشدد على «الوحـــدة الوطنــية وعــدم تدخل الخـــارج».
كما يأتي الخطاب أيضا متزامنا مع عودة الآلاف من سكان بلدة جسر الشغور، والعملية الناجحة للجيش في تلك المنطقة، والتي يتوقع أن يلقي الأسد الضوء على أدائه في حماية السلم الأهلي ومنع تردي الأوضاع لتمرد مسلح واسع النطاق. وحدد موعد الخطاب هذا الأسبوع بعد أن تأجل عن الأسبوع الماضي بفعل الحركة السياسية التي جرت بين أنقرة ودمشق من جهة، وبين سوريا وسلطنة عمان من جهة أخرى، ونتيجة لعوامل أخرى داخلية وخارجية.

وتشير التوقعات إلى أن الخطاب الذي وضعت أسسه الأسبوع الماضي سيقدم تحليلا للوضع القائم، كما سيستعرض آفاق المستقبل، ولن يكون بعيدا عن الخوض في التفاصيل التقنية، بما فيها الملامح الزمنية للتغيير المنشود.

ويترافق تطور اليوم مع تطور آخر مهم، وإن كانت آثاره الدبلوماسية لم تظهر بعد، يتمثل في سماح السلطات السورية لموظفي البعثات الدبلوماسية الغربية بزيارة المناطق المشتعلة، ولاسيما التي وقعت فيها اشتباكات عسكرية، كجسر الشغور التي يزورها اليوم الملحق العسكري البريطاني مع آخرين من سفارات غربية أخرى، وبدعوة من الحكومة السورية، وهي زيارة سبقهم إليها الملحق العسكري الأميركي الذي زار حماه يوم الجمعة الماضي بإذن رسمي من السلطات الرسمية، ولكن بطلب منه.

والتطور الآخر يتمثل في الحرص الشديد على التفريق بين نوعين من العمل السياسي الشعبي. الأول الذي يتم التعامل معه بحرص شديد وبوجود «حضور» دبلوماسي غربي كما جرى في حماه منذ شهر ونصف الشهر تقريبا وكما جرى في درعا الجمعة الماضية، أما النوع الثاني فهو الذي يأخذ شكلا مسلحا ويستهدف إما إرهاب الدولة والأهالي أو البناء لتمرد مسلح وهذا يتم التعامل معه بالقوة العسكرية ويشغل المناطق الحدودية بشكل أساسي، إضافة إلى المناطق التي تشهد استفزازات مذهبية حيث يسيطر الحذر على الوجود الأمني فيها كي لا تتحول إلى مناطق مشتعلة.

كما يأتي الخطاب متزامنا مع انعقاد المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل، والذي سيكون الوضع السوري على أولويات أجندته، وفق ما قالت مصادر دبلوماسية غربية رفيعة المستوى لـ«السفير». وأوضحت المصادر أن «كل ما سيتضمنه الخطاب سيكون موضع اهتمام من قبل مسؤولي الاتحاد» وذلك في حال سمح فرق التوقيت بين البلدين في تحــديد إن كان الخطاب سيسبق اللقاء أم بالتزامن معه.

وسيتبع اللقاء اجتماع لرؤساء حكومات دول الاتحاد نهاية الأسبوع. ومن المتوقع أن يكون الموضوع السوري أيضا على أجندة المجتمعين، حيث تتفق المصادر على أن الناشطين في هذا المجال هم البريطانيون والفرنسيون بشكل أساسي، وذلك من اعتبارات «حماية الاستقرار في المنطقة» والتي تتم «عبر تطبيق الإصلاح الجدي» مشيرة إلى أن ثلاثة عناصر هي الأهم في هذه العملية وهي «أن يكون الإصلاح طموحا، وأن يتم وفق إطار زمني محدد، ويتم تنفيذه بشكل حقيقي».
يشار في هذا السياق إلى أن دمشق انتقدت بشدة الموقفين البريطاني والفرنسي واعتبرتهما «امتدادا لسياسة استعمارية سابقة في المنطقة «.

ردود عربية ودولية
وكان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أعرب أمس الاول عن «قلق العالم العربي» حيال الازمة في سوريا. وقال، اثر اجتماع دولي في القاهرة تناول الوضع في ليبيا، «هناك قلق لدى العالم العربي وفي المنطقة في ما يتعلق بالاحداث في سوريا». واكد أن هناك «اتصالات كثيرة» بين قادة المنطقة حول الازمة في سوريا بهدف «تبادل وجهات النظر».

ورفض موسى ان تكون تصريحاته بمثابة تدخل في الشأن السوري، مشددا على ان الهدف منها فقط هو التعبير عن «قلق حيال بلد مهم ومن الطبيعي ان نكون قلقين».
وعن اتهامه باستخدام الأحداث في سوريا لأغراض انتخابية، كونه أحد المرشحين لمعركة انتخابات الرئاسة المصرية، قال موسى «هذا القلق شيء طبيعي خاصة من جانب المواطنين العرب». وتساءل «هل أصحاب القلق الدولي كلهم مرشحون لخوض الانتخابات المصرية؟».

من جانبها قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون «لقد كنا في غاية الوضوح بالنسبة للرئيس الأسد والمسؤولين السوريين، ونرى ضرورة وقف العنف». وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يمارس الضغط السياسي لوقف العنف.

واستبعد وزير الدفاع الألماني توماس دي ميزير مشاركة برلين في اية عملية يمكن ان يقوم بها حلف شمال الاطلسي في سوريا. وقال، في مقابلة مع صحيفة «در شبيغل» نشرت امس، ان «موقفنا مشابه لموقفنا من ليبيا: لن نشارك». واشار الى انه لا يتوقع ان تقوم الامم المتحدة «باصدار قرار من مجلس الامن يتعلق بسوريا» كما فعلت بالنسبة لليبيا.
ودعت بريطانيا رعاياها الى مغادرة سوريا فورا على متن رحلات تجارية، محذرة من ان سفارتها في دمشق قد لا تتمكن لاحقا من تنظيم عملية اجلائهم في حال تدهور الوضع اكثر.

إلى ذلك، ذكرت «سانا» أن وزير الداخلية اللواء محمد الشعار طلب، خلال لقائه مدير وضباط إدارة الأمن الجنائي، «من الضباط اعتماد خطط عمل تواكب تطورات العمل الشرطي من خلال تكريس نهج جديد في أساليب العمل والتعامل مع المواطنين»، مؤكداً أن «كرامة المواطن فوق كل اعتبار، وانه لن يتم التهاون مع من يثبت تقصيره أو تقاعسه أو محاولته ارتكاب ممارسات خارجة عن القانون يمكن أن تسيء لسمعة الشرطة».

وذكرت «سانا» أن مسيرة شعبية حاشدة خرجت في مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب أمس الأول نظمتها فعاليات شعبية وأهلية وشبابية تعبيراً عن تمسكهم بالوحدة الوطنية واستنكارهم للمؤامرات التي تستهدف النيل منها ومن صمود الشعب السوري.
وطاف المشاركون مختلف شوارع المدينة، وتجمعوا في الساحة الرئيسية، مؤكدين دعمهم «لوجود وحدات الجيش والقوات المسلحة في المدينة بهدف حفظ الأمن وبث الطمأنينة في نفوس أبنائها الذين يعودون وبأعداد كبيرة بعد أن روعتهم أعمال التنظيمات المسلحة».

وشهدت كل من مدينتي حلب شمال البلاد والسلمية وسط البلاد مسيرتان مؤيدتان للأسد، وقدّر عدد المشاركين بعشرات الآلاف في كل من المدينتين.

وفي سياق مشابه، قال رئيس منظمة الهلال الأحمر في سوريا عبد الرحمن
العطار لـ«السفير» إنه أجرى لقاء مع نظيره التركي بهدف وضع الترتيبات اللازمة لعودة النازحين السوريين من تركيا، مشيرا إلى أن «المنظمة ستضع كل إمكانياتها في خدمتهم بهدف تسهيل عودتهم من دون مساءلة». وأوضح أن الفرع السوري سيقوم بزيارة إلى المنطقة بعد حصوله على الإذن اللازم من تركيا.

كما أشار العطار إلى أن قسما كبيرا بدأ بالعودة طوعيا إلى بلداته، على الرغم من «الدور السلبي الذي يؤديه تحريض القنوات الإعلامية، كما بعض المجموعات ضمن المخيمات» على هذا الصعيد، منوها بأن ثمة رغبة لدى بعض الأطراف لاستخدام هذا الأمر «خدمة لأجندات سياسية.

إلى ذلك، ذكر مراسل «سيريا نيوز» أن «خمسة من عناصر الجيش قتلوا بنيران مسلحين استهدفوا نقاطا عسكرية في مدينة حمص فجر أمس، فيما شهد أكثر من حي في حمص أحداث عنف».

وقال نشطاء (ا ف ب، ا ب، رويترز) إن القوات السورية، التي دخلت قرية بداما قرب الحدود التركية امس الاول، أقامت نقاط تفتيش في القرية والمناطق المجاورة لمنع اهالي المنطقة من الفرار الى تركيا.

الى ذلك، يزور مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيلنبيرغر دمشق اليوم لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين بشأن توسيع نطاق جهود الإغاثة في البلاد. وتأتي المحادثات التي تستغرق يومين بعد مناشدة الصليب الأحمر السلطات السماح لها بالوصول بصورة أفضل إلى المدنيين
ومنهم الجرحى.

وبدأت تركيا تقديم مساعدة إلى السوريين الذين نزحوا واحتشدوا على
الحدود في الجانب السوري. وقالت الوكالة الحكومية المكلفة الأوضاع الطارئة، في بيان، إن «توزيع المساعدة الإنسانية بدأ لتلبية الحاجات الغذائية العاجلة للمواطنين السوريين الذين ينتظرون في الجانب السوري للحدود». وهي المرة الأولى التي تقوم بها السلطات التركية بعملية مساعدة عبر الحدود.

السابق
إختبارات مبكرة أمام الحكومة والمعارضة
التالي
النهار: استعجال البيان واحتواء تدريجي في طرابلس وجتماعات للمعارضة في باريس تحضيراً للمواجهة