ما لم يُدركه الحريريون

«وللسياسة فينا كل آونة
لون جديد وعهد ليس يُحترم»
حافظ إبراهيم

لم يكن أحد ينتظر أن تُقابل الحكومة الجديدة، من فريق 14 آذار، وخصوصاً من مكوّنه الأساسي «تيار المستقبل»، بغير ما استُقبلت به من هجوم في اتجاهات متعددة إلى درجة إهانة الرؤساء الثلاثة ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي وتخوينهم بالقول إنهم نفذوا رغبة خارجية، في تشكيل الحكومة. كان «المستقبليون يراهنون على عجز الرئيس ميقاتي عن تشكيلها ووصفوا الحكومة التي حملت شعار «كلنا للوطن كلنا للعمل» بأنها «حكومة سورية»، بل «حكومة جسر الشغور». وأن هذه الحكومة قد تألفت تنفيذاً لرغبة الرئيس السوري بشار الأسد، فجاءت «حكومة الثامن من آذار» وحكومة «حزب الله» و«الكيد السياسي» على ما ورد في بيان كتلة المستقبل.

وثمة من لمّح إلى أن 14 آذار ستشكل «حكومة ظل» لمراقبة أعمال الحكومة وتكليف «وزراء ظل» للتصدي لوزراء الاتصالات والطاقة والمال والعدل والداخلية التي يعتبرها «الزرق» أساسية بالنسبة إليهم، وتأمين التواصل مع الموظفين والخبراء والمستشارين الذين زرعهم الحريريون في هذه الوزارات طوال عقدين من الزمن، بغية عرقلة أي مشاريع تتعارض مع مصالحهم ومصالح الفريق الذي ينتمون إليه.

وبإزاء الموقف الحريري البعيد كل البعد عن القيم الديموقراطية التي تفرض الانحناء أمام تداول السلطة، وخروج فريق من «الحكم ديموقراطياً ودخول آخر، ثم انتظار الأفعال، كما قال الأميركيون الذين طالما عرقلوا وهددوا بتدابير انتقامية إذا ما «ألّف حزب الله الحكومة»، اضطر الرئيس ميشال سليمان في الكلمة التوجيهية التي ألقاها أمس في أول جلسة لمجلس الوزراء تعقد في بعبدا اثر التقاط الصورة التذكارية التقليدية، إلى رد التهم التي وجهت إلى الرئيس ميقاتي مشدداً على وطنيته وهو الذي «بذل تضحيات لإنقاذ البلد».

وطمأن الرئيس الحريريين إلى ضرورة الإفادة من إيجابيات الوزارات السابقة، وأن الوزراء سيتعاملون بحكمة مع المديرين العامين، في إشارة واضحة إلى المديرين العامين لـ«أوجيرو» وقوى الأمن الداخلي، متـــعهداً ألا «يقدم أي وزيـــر على التشفي» من أي مـــدير، إضـــافة إلى احترام الهرمية والإفادة من خبرة المستشارين.
وفي تكثيف لطمأنة المعارضة الحريرية والخارج المتعاطف معها، خصوصاً الأميركي، قال الرئيس ميقاتي في كلمته إن «الحكومة ستعمل للبنان واللبنانيين، موالين ومعارضين»، لأن «لبنان هو المنتصر»، وستهتم بالإصلاح وتولي القضايا الحياتية عناية كبيرة.
ولأن الحريريين لا يزالون منذ كانون الثاني، تحت وطأة صدمة سحب البساط من تحت قدمي الرئيس سعد الحريري وهو في البيت الأبيض بواشنطن ينتظر دوره لمقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد غادره رئيساً سابقاً للحكومة، فإن كل ما يخشونه الآن هو الانتقام من أتباعهم في الإدارات العامة وفضح الفساد الذي نشروه في الإدارة اللبنانية، والتسييب الذي تعرّض له المال العام. إضافة إلى الإدارة الموازية التي أقاموها هناك مما حال دون استعادة الدولة للسلطة، التي وضع الحريريون يدهم عليها عشية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، كما حال دون قيام دولة نظيفة، عادلة، تسودها المساواة ويسودها حكم القانون. وأبلغ مثال على الانحرافات في السلوك الحريري ما ظهر أخيراً في وزارات المال والداخلية والعدل والاتـــصالات والتي تعتبر معالجته في أولويات الحكومة الجديدة.

ان ما لم يدركه الحريريون وحلفاؤهم في الداخل والخارج، أن إعصاراً مرّ في لبنان في كانون الثاني، مصاحباً لإعصاري تونس ومصر، مع اختلاف الوضع بين لبنان وهذين البلدين العربيين اللذين أسقط شبابهما بالضغط الشعبي نظامين دكتاتوريين فاسدين، في حين أُسقط في لبنان حكم فاسد شلّ البلاد وزاد من حدة الانقسام بين اللبنانيين إلى درجة هددت البلاد بفتنة. فكان الانسحاب من الحكومة «ثورة ديموقراطية»، على أمل أن تحل مكانها حكومة إصلاحية أبرز ملامحها حكم جديد لمرحلة تواكب موجة التغيير والإصلاح في العالم العربي.
وأن ما نشــــهده حالياً من كــــلام عالي النبرة وتهديد ووعيد ليس سوى «ثورة مضــــادة»، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

ولكن لا يبدو أن قطار الحكومة الميقاتية مجهّز للرجوع إلى الوراء. ويكفي النظر إلى السيَر الذاتية للوزراء، خصوصاً للشباب والجدد بينهم، ليتبين لنا أننا أمام فرصة تاريخية للانطلاق بمشروع نهوض إصلاحي يعتبره الرئيس ميقاتي تحدياً له على مختلف الصعد.

وإذا صدقت النيات، وصمد الرئيس ميقاتي في وجه ما وصفه بـ«العوائق والأفخاخ والتحديات»، فإن لبنان موعود بعقد اجتماعي جديد يطبّق فيه دستور الطائف «تطبيقاً كاملاً»، وتلتزم فيه الحكومة «الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله، وتحرير ما تبقى من أرضه محتلاً من العدو الإسرائيلي، ومعاودة حوار وطني هادف وبنّاء حول المواضيع التي تتباين آراء اللبنانيين حيالها تحت سقف المؤسسات الدستورية»، وقد يكون موضوع المحكمة الدولية أبرز مواضيعها.
إنها دعوة مخلصة إلى المصالحة.  

السابق
مسبح صيدا الشعبي يُفتتح اليوم
التالي
السيدا ينتشر والأهالي لا يثقفون أبناءهم جنسياً