التقنية وحدها لا تصنع ثورة

كيل الكثير من المديح للتكنولوجيا الحديثة بصفتها محركا أساسيا في الثورات العربية الراهنة.. فمنذ أن قررت «غوغل» مد المتظاهرين في مصر بتقنية تتيح لهم إيصال رسائلهم عبر هواتف أرضية باتت تلك الشبكة وتوابعها من أيقونات النقاش، وفي صلب خطاب أميركي تحديدا يفاخر بمساهمته في حراك الشباب العربي.

لقد نسب إلى انتفاضات الشباب العربية عنوان «ثورة غوغل ونظرائه»، ما يعني تسيدا أميركيا ولو تقنيا لتلك الثورات، وهذا تماما ما تحاول الأنظمة التي تقمع المحتجين ترويجه. تلك الأنظمة تنسب كل ما يجري بصفته مؤامرة غربية توزع الهواتف والحواسيب على المحتجين في سياق مخطط حيك بين المتظاهرين وواشنطن التي مدتهم بـ«أسلحة» تقنية لإسقاط الأنظمة الرافضة للهيمنة الأميركية.

اليوم تنقل صحف أميركية تسريبات عن أموال تنفقها الإدارة الأميركية لإنشاء شبكة إنترنت خفية لا يمكن للأنظمة الدكتاتورية حظرها أو مراقبتها، وكذلك أيضا توفير شبكة هواتف محمولة مستقلة لا يمكن للسلطات دخولها، ما يتيح للمعارضين الالتفاف على الرقابة.

لم تخفِ تلك التسريبات أن هذا الجهد الأميركي يستهدف دعم المحتجين في إيران وسوريا وليبيا وعموم الدول العربية التي تشهد حراكا شعبيا وتتعرض وسائل الاتصال وتحديدا شبكة الإنترنت فيها إلى التعطيل المقصود من قبل السلطات.

لكن ورغم أن الوسائط التقنية أتت في المطلق من الولايات المتحدة الأميركية، فإن المتظاهرين الذين خرجوا في تونس ومصر ويخرجون في اليمن وسوريا وليبيا والبحرين لم يكونوا على الأجندة الدبلوماسية الخاصة بالولايات المتحدة التي أقامت علاقات مهمة مع قيادات الدول التي يثور شعوبها، بل إن المعضلة الكبرى التي تواجه المتظاهرين في أكثر من بلد عربي هي أنهم متظاهرون بلا رأس، وأن الحراك الذي يجري هو ثورة بلا قيادة.

هذا الربيع العربي صنع بأسلحة ليس من السهل نزعها ونسبتها لأحد حتى ولو كان مخترعها الأصلي. هؤلاء المتظاهرون الذين يخرجون في سوريا مثلا يعرفون أنهم إن خرجوا إلى الشوارع فإن احتمالات موتهم أو اعتقالهم هي احتمالات حقيقية، ومع ذلك نراهم يسيرون في المظاهرات ويصورون موتهم بأنفسهم. يجري ذلك بينما كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تقول قبل مدة بسيطة إن الرئيس السوري دمث وإصلاحي.

أن يُمَدّ المتظاهرون بوسائط تساعدهم على التواصل وعلى نقل موتهم إلى العالم ليس كافيا لتنسب ثوراتهم إلى أحد غيرهم. لقد قدمت الثقافة الغربية لهؤلاء وسائط لكنها لم تقدم لهم أفكارهم عن الأنظمة ولا إحباطاتهم من استبدادها وفسادها.

ستستبق الأنظمة القامعة للاحتجاجات ومعها شرائح «الممانعة» وصول التقنيات الجديدة التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية للقول إن استعمالها يعني تآمر المتظاهرين والمحتجين مع إرادات أميركية.
هذا الزعم لن يمكنه في أي حال أن يبدد رغبة الثوار في القبض على معاني ثورتهم وتحديد طبيعتها وأهميتها. هؤلاء فرضوا على العالم صوتهم ولهم وحدهم حق تقرير مستقبل  

السابق
أين تلك الكورة الخضراء؟
التالي
النهار: واشنطن: النظام السوري يقف وراء الاضطرابات وموسكو: سنستخدم الفيتو في مجلس الأمن