وزراء التكتل والتيار والتحديات

تتصدّر اهتمامات وزراء تكتل الاصلاح والتغيير عدداً كبيراً من العناوين الاصلاحية كل في الادارة التي سيكون مسؤولاً عنها. وليس في الامر انطلاقة جديدة في المسار الاصلاحي الذي بدأ منذ تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى التي شارك فيها الوزير جبران باسيل الى جانب اللواء عصام ابو جمرة والدكتور ماريو عون.

قبل المشاركة الحكومية كان التيار الوطني الحر لسنوات طويلة جداً خارج السلطة، اي منذ تشكّله في بداية التسعينيات من القرن الماضي، بل كان معارضاً راديكالياً لكل الحكومات التي تشكلت في لبنان منذ نفي العماد ميشال عون الى فرنسا. اما المفارقة فهي ان التيار بعد ولوجه العمل السياسي الرسمي في الندوة النيابية والحكومية، وضع نصب عينيه هدفاً يفوق بصعوبته اهداف مرحلة ما قبل العام 2005، هو هدف الاصلاح. هذا الهدف الذي استعصى على أجيال كاملة توالت على الحكم منذ العام 1943، لكن النوايا والممارسات الاصلاحية لم تمثل طوال تاريخه اكثر من محطات عابرة لم يكتب النظام اللبناني القبلي الحياة، فكانت تسقط تحت ضربات الطائفية والمذهبية والعشائرية والاقطاعية التي تنمّي الفساد عبر اسقاط وجود المواطن كصاحب حقوق وواجبات، وجعله تابعاً للمتنفذين في لقمة عيشه وأمنه وحياته الاجتماعية. وهذه الحال هي التي تغذي الفساد المستشري في مؤسسات القطاع العام، مفسدة في طريقها مؤسسات القطاع الخاص.

من رحم هذا المسار الطويل المزمن، تنطلق الرؤية الثورية لقياديي التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والاصلاح، الذين اكتملت قوتهم مع تشكيل الحكومة الجديدة. فهم يدركون جيدأ ان السبب المركزي للفساد في الادارات العامة هو النظام السياسي، لكنهم مصرّون على اختراق سقف هذا النظام بتجميل نتائجه رغم التجارب السالفة المبتورة. فوزير الثقافة غابي ليّون على سبيل المثال يحلم ببناء حال ثقافية لبنانية انطلاقاً من الشباب الذي يحتاج الى الاهتمام بالشان الثقافي، والتركيز على هذا الموضوع في البيان الوزاري للحكومة لكي يكون لها برنامج تنموي ثقافي اسوة بالبرامج التنموية الأخرى. وضع وزارة الثقافة في مصاف الوزارات المهمة اسوة بالدول الراقية التي تحتل موازنة وزارات الثقافة فيها الرقم الأكبر من الموازنة العامة السنوية للدولة. ووزير العدل شكيب قرطباوي يرى ان واجبه الاساس يقضي باصلاح ما افسد في الجهاز القضائي والنهوض بالسلطة الثالثة لتعود سمعة القضاء اللبناني ارقى من سمعة الدول الاوروبية قضائياً، كما انه يرى واجبه في حماية القضاة الشرفاء ليقوموا بعملهم بضمير بعيداً من الخوف والفساد. وهو بذلك لا ينفي ان مهمته ليست سهلة نظراً الى ما اصاب القضاء اللبناني منذ زمن الحرب الأهلية. وأكثر من ذلك فإن وزير العدل الذي هو القاضي الأول بحسب النظام القضائي، لن يتردد في القيام بدور مدعي عام الجمهورية في ملاحقة القضايا المهمة منعاً لإفساح المجال للمماطلة من قبل اي قاض. اما وزير الطاقة الذي يثق بقدرته على تحقيق احلامه الإصلاحية في معالجة آفة الفساد في وزارته، والتنموية في تحقيق المشاريع المائية ومشاريع الطاقة البديلة وتوفير الطاقة وإلغاء التقنين الكهربائي وربط لبنان بالمعايير البيئية المطلوبة لحماية المواطن من الآثار السلبية والمرضية القاتلة لتأثير انعكاس استعمال الوقود الملوّث للبيئة من قبل أصحاب الآليات، او الملوّث للهواء من قبل معامل الكهرباء.

هذا غيض من فيض الأولويات التي ستكون في جزء منها مسؤولية وزراء التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والاصلاح في الحكومة. وهي حكومة فريق منسجم ما يعني انتفاء قدرة اخصامهم السياسيين على تعطيل خطواتهم عبر الإمساك بالأكثرية والقرار الحكوميين. وبقدر التحديات، ترتسم الآمال التي سيأتي بعدها زمن العمل، ومن بعده زمن الحساب في الانتخابات النيابية المقبلة، ولن يستطيع التكتل والتيار المحافظة على وجوده في الحكم الا عبر نجاحه في تحقيق الإنجازات التنموية والإصلاحية، قبل أصوات الناخبين في صناديق الاقتراع.

السابق
تدابير وقائية من الحرائق
التالي
نصرالله عرض مع جنبلاط والعريضي مسار تشكيل الحكومة وما يواجهها من تحديات