نجما الدهاء السياسي الجديدان:عون وفرنجيّة

تحول العماد ميشال عون في تجربته الحكومية الراهنة إلى رئيس أكبر كتلة وزارية في مجلس الوزراء. يضحك عون وسليمان فرنجية لانتصارهما، فيما يستعدّ الرئيس ميشال سليمان لامتحان ثالث يفترض أن تكون نتيجته ثابتة، بعدما أظهر في «معركة التأليف» عدم استفادته من درس الانتخابات النيابية الأخيرة

حين يطلب النائب سليمان فرنجية حقيبة الدفاع ثم يسارع إلى تجييرها لقضاء الكورة ممثّلاً بالنائب السابق فايز غصن، يقدم نموذجاً آخر على كون التتلمذ في حضن الرئيس سليمان فرنجية يُكسب خبرة وذكاءً سياسيين تعجز عن تلقينهما كبرى المدارس السياسية اللبنانية. يتعلق الأمر بموقع الكورة السياسي والأمني أولاً، وعلاقة الطائفة الأرثوذكسية بالقوى السياسية ثانياً.

فالقضاء الواقع بين بشري القوات اللبنانية وزغرتا المردة، تحول ببلداته وشوارعه وأشخاصه، إثر خروج رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن، إلى خط تماس دائم الغليان بين القوات والمردة. في الكورة: قُتل مناصِران للقوات عام 2005. سجل الانتشار المسيحي المسلح الوحيد في 7 أيار. اغتيل أبو جو المرديّ عام 2009 واصطيد طوني وشهيد صالح عام 2010. وبالتالي، فإن إهداء فرنجية وزارة الدفاع إلى الكورة «يزنّر» المنطقة وأهلها بحماية معنوية مستمدة من هالة الجيش، ويؤسّس لأمر واقع جديد يحل محلّ الأمر الواقع الذي استغرقت القوات وحلفاؤها نحو أربع سنوات لفرضه على بعض الأقضية الشمالية، وكانت الكورة أهم ساحاته.

وأبناء الشمال يعرفون أن خروج فرنجية من زغرتا سياسياً باتجاه البترون وجبل لبنان وطرابلس يمرّ بالكورة، وبالتالي فإن اختيار فايز غصن إعلان «مرديّ» للنزول إلى أرض الكورة.

هذا على الصعيدين الأمني والسياسي، أما على الصعيد الأرثوذكسي، فتجد الطائفة نفسها أمام زعيم ماروني يبادلها العطاء، فيعطيها مقابل أصواتها في الانتخابات النيابية الحقيبة الأساسية في حصته (ذهبت وزارة الدولة إلى النائب سليم كرم) خلافاً لزعماء الموارنة الآخرين الذين يعتذرون عن عدم المطالبة بالحصّة الأرثوذكسية من قالب حلوى الطوائف، باعتبار كتلهم مارونية بامتياز. ويُفترض بوزير الدفاع الجديد أن يكثّف عمله للاستفادة من شعور أرثوذكسيّي الكورة بالغبن نتيجة تمدّد تيار المستقبل في الكورة، من جامعة البلمند إلى البلدات السنّية التي باتت قادرة على تعديل الموازين الانتخابية لمصلحة تيار المستقبل. ففي انتخابات 2009 النيابية، اقترع 16400 أرثوذكسي من أصل37400 ناخب أرثوذكسي في الكورة، كان متوسط المقترعين بينهم للائحة فرنجية ـــــ عون ـــــ الحزب السوري القومي الاجتماعي 8500 صوت، فيما متوسّط المقترعين للائحة المستقبل ـــــ القوات اللبنانية 7100 فقط. ورغم ذلك خسرت لائحة المردة والحلفاء مقاعد الكورة الأرثوذكسية الثلاثة.

ومن فرنجية إلى العماد ميشال عون، يثبت المتخرّج في المدرسة الإدويّة (العميد إدة كان «عايز مستغني»، أما عون فـ«عايز عايز») أن عناده يُربح. وقد بات لتكتّله ثلث مجلس الوزراء (شكيب قرطباوي ـــــ عدل، نقولا صحناوي ـــــ اتصالات، غابي ليّون ـــــ ثقافة، فادي عبود ـــــ سياحة، شربل نحاس ـــــ عمل، جبران باسيل ـــــ طاقة، فايز غصن ـــــ دفاع، سليم كرم وبانوس مانجيان وطلال أرسلان ـــــ دولة). في الشكل: تحول توزير جبران باسيل، أولاً، إلى أمر واقع لا تجوز المناقشة فيه، بعدما كان عنوان أزمة بين التيّار وخصومه. أثبت الرئيس ميشال سليمان، ثانياً، عدم اتعاظه بدرس الانتخابات النيابية الأخيرة وخوض المعارك الخاسرة مع عون. وتبيّن، ثالثاً، أن الحريري يرحل في النهاية من مجلس الوزراء وشربل نحاس يبقى (سجِّل يا سهيل بوجي). أما في مضمون الأسماء التي اختارها عون، فيمكن التوقف عند اسمين جديدين أساسيين، هما نقولا صحناوي وغابي ليّون.

أولاً صحناوي: في الموازين الطائفية، تُعَدّ الاتصالات ـــــ أم الوزارات السيادية ـــــ هدية قيّمة من عون إلى الطائفة الكاثوليكية التي جرّبت المجرّب أكثر من مرة، وفهمت أن حصتها في الميزان الحريريّ لن تتجاوز «وزير دولة لشؤون مجلس النواب»، أما عون فيكاد يحوّل حصولها على «الاتصالات» إلى عرف. انتخابياً، هو إعلان عوني أن التيار الوطني الحر لن يترك ساحات الأشرفية ولن يوفر سلاحاً. فـ«صح ناوي» كما تعرّف إليه اللبنانيون وحفظوه، هو أبداً «المرشح عن المقعد الكاثوليكي في دائرة بيروت الأولى». وفي ظل اجتهاد التيار في هذه الدائرة، ستزداد المشقة بالنسبة إلى الوزير السابق ميشال فرعون الذي يواجه التيّارَ مثقلاً من جهة بمجموعة نواب فاشلين لم تتعرف إليهم بعد دائرتهم الانتخابية، ومن جهة أخرى بأنطوان صحناوي (وهو غير نقولا صحناوي طبعاً) الذي كان يعدّ لفرعون عدّته الانتخابية، وحاليّاً يعمل على تهيئة نفسه لمنافسة فرعون.

والأهمّ في «نيكولا» تقديمه نموذجاً عونياً بات في نظر الكثيرين نادراً: ما زال بإمكانك أن تحلم بتولّي المنصب الذي تشتهيه هنا، أكثر من غالبية الأحزاب الأخرى. صحيح أنّ نقولا هو ابن الوزير السابق موريس صحناوي، لكنّ اختيار وزير الاتصالات الجديد لم يحصل إلا بعد قيام الابن بالـdevoir السياسي كاملاً خلال السنوات الثلاث الماضية.

ثانياً ليّون: بعيداً عن التمتمات بشأن قرب وزير الثقافة الجديد عائلياً من زوجة الجنرال السيدة (الزحلاوية) ناديا، يفترض باختيار ليون، الذي هو مجرد «ناشط في الوطني الحر»، أن يرفع معنويات العونيين، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض هؤلاء سيجد عيباً في كل واحد سواه سيوزَّر.

ويفترض باختيار ليّون الزحلاوي أن يعطي دفعاً للعونيين في مدينة زحلة، فيكون لهم بدل الوجه الواحد (سليم عون) وجهان، ويكون للأكثرية الجديدة كاثوليكيّ قوي في زحلة (الياس سكاف)، ماروني قوي (سليم عون) وأرثوذكسي ينتظر أن يثبت قوته. أما توزير شكيب قرطباوي، فيمثّل دليلاً جديداً (بعد نحاس في الحكومة السابقة) على اختيار الجنرال الشخص المناسب للمكان المناسب من جهة، وعلى التزام عون بالوعود القليلة التي يقطعها من جهة أخرى. وكان قد وعد قرطباوي بحقيبة وزارية قبيل انسحاب الأخير لمصلحة لائحة التغيير والإصلاح البعبداوية في الانتخابات النيابية الأخيرة. بدوره حصل حزب الطاشناق على تعويض كبير (وزيرين) عن الخسارة التي مني بها في الانتخابات النيابية الأخيرة في دائرتي بيروت الأولى وزحلة، نتيجة تعثّر ماكينة التيار بعد اضطلاع ماكينة الطاشناق بكل المطلوب منها.

أما ثالث الموارنة في الحكومة، الرئيس ميشال سليمان، فيستدرّ العطف بأداء يظهره كالشيخ بيار الجميّل في بداية مسيرته، حين كان زملاؤه السياسيون يرون فيه مجرد «حَكَم في مباريات كرة القدم». فبعدما جال فخامة الرئيس في المتن وبعبدا ودار في كسروان وجبيل، وجد في السيرة الذاتية للوزير السابق سمير مقبل ما هو أهمّ من الموجود في سير رئيس الرابطة المارونية جوزف طربيه ونائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس والنائب السابق إيلي الفرزلي، ولا سيما على الصعيد البيئي و«إنماء قصر بعبدا وإعماره»، فقرّر التمثُّل هذه المرّة في مقبل، بعد تخلّيه عن الوزير زياد بارود الذي قضى على حياته السياسيّة وصدقيّته المهنيّة نتيجة التزامه «الوفاء» للرئيس. وبعد بحث الرئيس المضني عن الماروني السادس، لم يجد إلا مستشاره النائب الأسبق ناظم الخوري الذي لا يقدّم الرئيس ولا يؤخره في الحسابات الانتخابية، مع العلم بأن حصة الرئيس تقلصت من خمسة وزراء، بينهم وزير مشترك مع حزب الله وحركة أمل، إلى ثلاثة وزراء بينهم وزير مشترك بينه وبين العماد ميشال عون، هو وزير الداخلية والبلديات الجديد مروان شربل.

تكتل التغيير والإصلاح في السلطة التنفيذية الجديدة بات منافساً للرئيس نبيه بري في الدهاء والقدرة على انتزاع المكاسب.

السابق
أربع ملاحظات حول التشكيلة الجديدة
التالي
الانباء: ميقاتي يعلن حكومة كلنا للوطن كلنا للعمل اللبنانية وآذار شككت في إمكان حصول مجلس الوزراء الجديد على الثقة بسبب ركاكة بنيانها السياسي