حكومة كل الأكثرية وكل الحصص …

أوَّل الكلام وآخره وأهمّه ان اللبنانيين توصلوا أخيراً، وبعد جهود سيذكرها التاريخ يوماً، الى تشكيل حكومة كاملة. وفي ظروف طبيعيَّة. ومن ثلاثين وزيراً. بعضهم بحقائب تحتاج الى حمالين ليرفعوها عن الأرض، فيما بعضها الآخر من وزن الريشة. وفيما وزراء آخرون أُعطوا حقيبة الدولة وبكل ما ترمز اليه.

تمت الأعجوبة، وانجز الأمر، وحصلت الولادة في حضور النطاسييّن الأساسييّن، لحظة كان كثيرون يرجّحون أن تظل مشكلة التأليف والتلحين مرتبطة بتطورات كثيرة، منها الوضع الداخلي في سوريا واقتراب موعد "اللقاء العاطفي" مع القرار الظني، والذي تكاد شهرته تنافس كل ما انجزته الكبَّة النيَّة و"سلفتها" التبولة.

ولا فرق بالنسبة الى الناس إن كانت من لون واحد، أو من لونين، أو من
لون ونصف آخر أو حكومة كل الاكثرية والحصص.

من أهم وأبرز وأصلب الأعراف والتقاليد في أصول الانظمة الديموقراطيَّة
البرلمانية بندُ لا يمُسّ: أكثريَّة تحكم واقليَّة تعارض.

مع ان المشكلة الكبرى، التي كلَّفت البلاد انتظاراً بلغ شهره الخامس، كانت تدور رحاها بين أجنحة من الاكثرية والرئيس الذي كلفته هذه الأكثريَّة.

ولكن، لنفترض اننا لا نعرف شيئاً عن الباقي من التفاصيل، ولا كيف حُلَّت التعقيدات وتمتَّ الترضيات، ولنركّز الآن مع الرئيس نجيب ميقاتي ووزرائه على الشعارات، والأهداف، والعناوين والاولويات التي ركَّز عليها في كلمته الاولى.

واقعياً وفعلياً، كل ما ورد في كلمته تلك ينطبق حفراً وتنزيلاً على الوضع اللبناني، وخصوصاً بالنسبة الى الهموم اللبنانية والتحديات الداخلية والخارجيَّة والعربيَّة، فضلاً عن الوضع الاجتماعي والضائقة الخانقة التي بدأت تحاصر معظم الناس.

صحيح. وصحيح جداً. لقد ملَّ اللبنانيّون، وزهقوا، وضجروا حتى القرف من غزارة الكلام الذي ألقي على عواهنه، وعلى ركاكته، وفظاظته، وزقاقيّته في احيان كثيرة. وما يعنيهم الآن، وقبل أي أمر آخر، الالتفات السريع والجدي صوب المعاناة الطويلة والمتشعبة.

الناس، و"الأقليون" منهم قبل "الاكثريين"، يتطلعون برجاء وأمل وشوق ولهفة الى نقلة سياسيَّة واجتماعيّة، بعيداً من هذه الأجواء الموبوءة، والعودة الى لغة الحوار، والى الثوابت، والى صيغة العيش المشترك، والى الميثاق، والى الطائف الذي لا بديل منه، ولا غنى عنه.

على رغم كل ما أصاب لبنان في مراحله المتعددة، فان من الواجب التشديد دوماً على رسالته ودوره تجاه محيطه العربي، وحرصه على العلاقات الأخوية مع كل الدول العربيَّة

الكلام الآخر مؤجَّل الى ما بعد الثقة والانصراف الى خير العمل. انما هذا لا يجعلنا نتغاضى عن شعار "حكومة كل لبنان "التي رفعها يوماً الرئيس تقي الدين الصلح.

السابق
البناء: بعد مخاض عسير..ولادة حكومة المهمّات الصعبة بتوزير فيصل كرامي وأرسلان يستقيل
التالي
حكومة تحت المجهر!