النهار: حكومة الأكثرية، مفاجآت التوقيت وكسر المثالثة ورعاية الأسد

14 آذار: حكومة "حزب الله" والتثقيل السني لا يعوض فقدان التوازن

واشنطن: سنحكم عليها بناء على أفعالها والمهم التزام الدستور ونبذ العنف والثأر

مع أن الهوية السياسية لحكومة الاكثرية الجديدة لم تشكل أي مفاجأة، باعتبار ان توزع القوى المشاركة فيها لم يخضع لأي تعديل جذري، فإن ذلك لم يقلل حجم الأبعاد التي اكتسبتها الولادة المفاجئة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي خيبت توقعات الصحافة والاعلام مثلما باغتت الكثير من القوى السياسية ومنها أطراف في الاكثرية نفسها.
ذلك ان ميقاتي، على ما تؤكد معلومات لمح رئيس الحكومة في بيان التأليف الى صدقيتها، أيقن أنه ما لم يقبل على الولادة القيصرية أمس تحديدا، فإن مخاطر فقدان الفرصة كانت اكثر من جدية. ولذا فوجئ رئيس مجلس النواب نبيه بري حين دُعي على عجل الى قصر بعبدا قبيل ظهر أمس بعدما كان ميقاتي حضر الى القصر حاملا في جيبه ورقتين، الاولى تتضمن تركيبة الحكومة مشوبة بثلاث ثغرات تعود الى المقعد السني السادس والمقعد الارسلاني والمقعد الماروني السادس، والثانية تتضمن بيان التأليف.
واذا كان مخاض الساعات الأربع الذي شهده قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيسين بري وميقاتي أولاً، ثم بعد انصراف بري والاتصالات السرية التي تعاقبت، قد أفضى الى مجموعة مفارقات وسوابق ومفاجآت جديدة تجمعت عند الولادة المعلنة، فان البعد الأبرز الذي اكتسبه توقيت الولادة ومخاضها جاء من البوابة السورية، حيث بدت الرعاية المباشرة للولادة أفصح من كل الأبعاد الاخرى الداخلية.
فلم تمض دقائق على صدور مراسيم التأليف حتى تلقى الرئيس سليمان اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الاسد هنأه فيه بتأليف الحكومة، فيما تمنى سليمان للأسد "عودة الهدوء والاستقرار الى سوريا في اسرع وقت". وتلقى بري بدوره اتصالا مماثلا من الاسد الذي هنأه "على الخطوة المهمة التي أدت الى تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والتي سيكون لها ان شاء الله انعكاسات على كل العالم العربي".
ومع أن الحكومة الجديدة منيت بصدمتها الاولى بعد ساعات قليلة من اعلانها مع استقالة النائب طلال أرسلان منها احتجاجا على تعيينه وزير دولة حاملاً بحدة على "المدعو نجيب ميقاتي"، فان توزع قواها كرس حصول أطراف 8 آذار، وهم "حزب الله" و"أمل" و"تكتل التغيير والاصلاح"، على 18 وزيرا في مقابل 12 وزيرا لحصص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، علما أنه مع استقالة ارسلان سيتعين ملء مقعده الشاغر بشخصية درزية تحسب على قوى 8 آذار. وذهبت الحصة الكبرى الى "تكتل التغيير والاصلاح" مع عشرة وزراء بينهم وزيرا دولة، فيما نال ميقاتي ستة وزراء وجنبلاط ثلاثة وزراء وكل من بري و"حزب الله" وزيرين. اما رئيس الجمهورية فكانت حصته ثلاثة وزراء بينهم وزير الداخلية مروان شربل الذي سمّي بالتوافق بينه وبين العماد ميشال عون.

طرابلس والسنّة

أما المفاجأة الاساسية التي برزت في تركيبة الحكومة، فتمثلت في كسر عرف التوزيع المتوازن بين السنة والشيعة والموارنة المتبع منذ اتفاق الطائف، لمصلحة الطائفة السنية. ذلك أن بري تنازل عن المقعد الشيعي الثالث من حصته في مقابل اسناد وزارة الشباب والرياضة الى فيصل كرامي، والذي أتبع بتخصيص مقعد سابع للسنة. وحصلت طرابلس، في سابقة نادرة، على أربعة وزراء سنة هم الى ميقاتي: محمد الصفدي وأحمد كرامي وفيصل كرامي، الى وزير أرثوذكسي هو نقولا نحاس الذي أسندت اليه حقيبة الاقتصاد.
وأفادت مصادر قريبة من قوى 8 آذار ان قرار التخلي عن المقعد الشيعي السادس لمصلحة حل إشكالية توزير فيصل كرامي اتخذ بالاتفاق بين بري والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في اتصال أجري بينهما عقب عودة بري من قصر بعبدا. اذ ان بري كان اطلع من ميقاتي في حضور الرئيس سليمان على تركيبة الحكومة كما أعدها قبل تعديلها، ولم يوافق بري على عدم إدراج اسم فيصل كرامي فيها. وأبلغ ميقاتي انه سينتظر في منزله ولن يعلن شيئا الى ان تعالج هذه العقدة، وان لم يحصل ذلك سيكون له موقف فوري باعتبار الحكومة حكومة أمر واقع.
وخلال الاجتماع الثنائي الذي استمر منعقداً بين سليمان وميقاتي، أجرى بري مشاورات مع السيد نصرالله، ثم تلقى اتصالاً من ميقاتي الذي أطلعه على صعوبات التوزيع المناطقي في مسألة حصة السنة، وعندها أبلغه بري التنازل عن مقعد شيعي من حصته لمصلحة فيصل كرامي، فسأل ميقاتي عما اذا كان ذلك لا يطعن في ميثاقية الحكومة، لكن بري نفى ذلك، كونه ناتجاً عن موافقة الثنائي الشيعي. وقد نجم عن ذلك تمثيل السنة بأربعة في طرابلس واثنين في بيروت هما وليد الداعوق للاعلام وحسان دياب للتربية وواحد في اقليم الخروب هو علاء الدين ترو للمهجرين.
لكن بري قال لـ"النهار" إن "هذه الفكرة ولدت لدي وأنا في طريقي الى القصر الجمهوري وفي النهاية أنا خسرت وزيراً وربحت لبنان لا أكثر ولا أقل". ويشار الى ان حصة بري تمثلت في النائب علي حسن خليل الذي تولى حقيبة الصحة والسفير المتقاعد عدنان منصور الذي تولى حقيبة الخارجية.
وحرص ميقاتي في بيان التأليف على ايراد العناوين العريضة التي تعني الداخل السياسي كما الخارج الدولي لحكومته، فأبدى "حرص الحكومة على المحافظة على العلاقات الأخوية المتينة التي تجمع لبنان مع كل الدول العربية الشقيقة من دون استثناء"، ووصف "وفاء لبنان لالتزاماته العربية والاقليمية والدولية" بأنه من "الثوابت التي ستحترمها الحكومة بالتوازي مع تمسكنا بكرامتنا وحرية قرارنا". وإذ اعتبر أن "هذه الحكومة ستكون حكومة كل لبنان"، تعهد عدم اتباع "أي ممارسة كيدية أو انتقامية".
وأعلن اختيار شعار "كلنا للوطن كلنا للعمل"، قائلاً: "لا تحكموا على النيات أو الأشخاص، بل احكموا على الأداء والممارسة".
وأوضح ميقاتي مساء لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" ان "حصول حزب الله وحلفائه على 18 وزيراً في الحكومة لا يعني أن لبنان سيغرق في الخط المتصلب في مواجهة المجتمع الدولي". وفي موضوع المحكمة الدولية رفض ميقاتي الادلاء بموقف واضح، وقال: "سأسعى جاهداً لإخراج هذا الموضوع بطريقة تعني أن لبنان يحترم القرارات الدولية وفي الوقت نفسه نحن معنيون بالاستقرار". وأشار الى أن موضوع سلاح "حزب الله" "لا يمكن معالجته لا بالاعلام ولا بالكلام (…) نريد أن نتحدث الى الحزب بحيث لا يكون هذا السلاح موجوداً في المدن ويكون فقط للمقاومة على الحدود وان نبحث في الأمر بهدوء وروية".
وعلم من أوساط ميقاتي أنه سيتوجه صباح اليوم الى مكة لأداء مناسك العمرة، مؤكدة أن لا طابع رسمياً للزيارة ولن تتخللها أي لقاءات أو محادثات، وسيعود مساء الى بيروت، علماً أن الحكومة الجديدة ستجتمع غداً في قصر بعبدا لالتقاط الصورة التذكارية ثم لعقد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء الذي سيشكل لجنة صياغة البيان الوزاري.

14 آذار

وفي رد فعل أولي على تأليف الحكومة، وصف مصدر بارز في قوى 14 آذار هذه الحكومة بأنها "حكومة حزب الله وحكومة المواجهة" عازياً تأليفها في هذا الظرف الى "الوضع الحرج الذي تمر به سوريا".
وتحدث عن "انكشاف قوى 8 آذار في ظل المتغيرات الاقليمية وتطورات الوضع المحتملة"، ملمحاً الى "سعي هذه القوى الى حماية نفسها من تداعيات القرار الظني المرتقب للمحكمة الدولية".
كما أن مصادر في "تيار المستقبل" وصفت الحكومة بأنها "حكومة جسر الشغور وحكومة المواجهة مع الداخل على الأقل". ولفتت الى أن تحسين التمثيل السني في الحكومة المائل الى طرابلس "لا يخفف ضعف التمثيل الحقيقي" وان "هذا التثقيل لا يعفي الحكومة من فقدانها توازنها".
وخلص المكتب السياسي لحزب الكتائب الى ان هذه الحكومة "بتركيبتها الأحادية غير قادرة على مواجهة التطورات وهي مشروع أزمة اكثر مما هي مشروع حل".

واشنطن

أما على صعيد ردود الفعل الدولية، فأبرزت "وكالة الصحافة الفرنسية" تعامل واشنطن بحذر مع اعلان تأليف الحكومة الجديدة في لبنان التي يتمتع فيها "حزب الله" وحلفاؤه بالأكثرية، معلنة انها ستقوّم هذا الفريق "بناء على أفعاله". وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر: "سنحكم عليها بناء على افعالها… المهم في نظرنا ان تلتزم الحكومة اللبنانية الجديدة الدستور في لبنان، أن تنبذ العنف، وخصوصاً محاولات الثأر من مسؤولين حكوميين آخرين وأن تحترم التزاماتها الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والتزامها حيال المحكمة الخاصة" بلبنان.

السابق
أكثرية شمالية وتضحية شيعية..عون رابـح أول وارسلان مستقيل
التالي
البناء: بعد مخاض عسير..ولادة حكومة المهمّات الصعبة بتوزير فيصل كرامي وأرسلان يستقيل