إلى وريث “الزعيم”

العباءة التي تريد لها أن تكون لك، والتي سبق أن كانت لغيرك، ترهلت خيوطها وذابت مع مرور الأعوام، فشاخت وخُلعت من الكتف في تونس ومصر. أما في بلدك، فإنها ما زالت تولد خيوطاً من الحرير، وما إن تُدشّن، حتى تكبر يوماً بعد يوم، ولا تُخلع.

في بيت سياسي عتيق، بين أثاث وثير ينتشر في الغرف المطلة على كروم العنب، وُلدت وتربّيت على كرم الضيافة وحُسن الخلق. لم تعرف معنى الفقر يوماً، ولا طعم الذلّ في سعيك لوظيفة بعد – أو قبل – قصة حب. لم تُصب بالأرق بعدما وقع بصرك على مجزرة بشرية، في زمن حرب أهلية.

لم تر والدك، يوماً، يبكي عوزه، فاختنقت وبكيته. لم تُطرد يوماً، أنت وأمك، من المستشفى لأن جيوبك كانت خاوية. لا تكترث، في حلو أيامك ومرّها، لسعر صفيحة البنزين، أو لتوقيت انقطاع الكهرباء والمياه. هل عشت أياماً مرّة أصلاً؟ لم تحمل ديناً على كتفيك لعقود ثلاثة، مقابل تملّك شقة. حملت عباءة خفيفة.

كانت بانتظارك منذ وُلدت، شأنها شأن عباءات الأجداد والآباء الموروثة، منذ زمن الإقطاع إلى لبنان الكبير، وصولاً إلى لبناننا هذا: لكل «كبير» عباءة، يورثها للإبن أو يرثها الشقيق، فيما السائرون والنائمون في العراء لا يرثون إلى فقر الأجداد والآباء.

لا يعرفون ما هو الوطن، ولا الدولة التي رست حكومتها على حقائبها الطائفية أمس: يخال إليهم أنها «ملقط» سينتشلهم من مآسيهم، ويزيح عنهم السأم المطبق على الوجوه. لا يعرفون ما هي حقوقهم، فلا يطالبون بها. وإن طالبوا، فيرفعون لوالدك – أو شقيقك – القبضات عالياً، قبل أن يطل عليهم محيياً، ومخاطباً.

لا تزال في مستهل الطريق.
غير أن المحبين سيزدادون، وتزداد معهم الإطراءات من كل حدب وصوب، طوراً في منزلة محقة، وتارةً من دون وجه حق. أقلام كثيرة ستبحث عنك، فأنت ابن سياسي عتيق. ثمة أحلام تخترق مخيلتك، وتدق أبوابها، بحثاً عن «جديد»، في «قديم» نعيشه كل يوم.

تطمح إلى مواكبة تطلعّات الشباب. لكن، أي شباب؟ شباب الطائفة، أم التيار أم الحزب أم الحركة، أم الوطن؟ تبحث في شؤونهم مع من؟ مع ابن الزعيم الآخر؟ ماذا ستقدّم لبلدك، في زمن كثر فيه الزعماء، وتكاثر الأبناء والعباءات؟ هل فكّرت يوماً في ما يعني أن تكون وريثاً سياسياً في هذا البلد؟

المرافقة الأمنية ستزداد، وتزداد معها الزيارات والوعود، طوراً في منزل يؤوي عائلة مناصرة، وتارة في منازل معارضة. كاميرات كثيرة ستومض لك، فأنت ابن سياسي عتيق. ثمة حياة جديدة، تخطو إليها خطوتك الأولى، باحثاً عن وثبة كبيرة في بلد صغير، يُخيل لكل زعيم فيه أنه محور الكون.

السائرون والنائمون في العراء، من فقراء يقاومون الغلاء والعوز، وفقراء يجهلون أن تناحرهم الطائفي هو غذاء بقاء كل «زعيم» في بلدك، ما عادوا يميزون بين «الزعماء» وأبنائهم: صنوان لهما الغاية ذاتها، في أن تدوم العباءة ويبقى اسم العائلة في الخلود.

عصفوران تلهث وراءهما في الوقت ذاته، لا مفر من أن تفقد أحدهما: إما أن تثبّت عباءة العائلة السياسية على كتفيك، وتشق ذاك الطريق إلى جانب أقرانك، وإما أن تبقي على عصفور يحدّثك في غير السياسة. يغرّد لك ما يطيب له من قصص فقراء يعيشون على أرض الوطن.
أن ترث تلك العباءة ليست مذمة، ولا هي عادة جديدة في بلدك. وأن تبعد بيديك ذاك العصفور المغرّد، لتلتقط عصفور السياسة، لن تكون خطيئتك أنت
.
أن يطلع علينا الصباح، متعرّفين إلى أسماء ورثة جدد، ويهبط الليل مستمعين لتصريحاتهم، لن يكون ذنبك: فخيوط تلك العباءات نُسجت من أوراق الانتخابات، والعصفور الذي أراد أن يغرّد، سبق ونحرناه.
أحلامك لا تشبه أصفادنا: «أحلامنا لا تطل على عنب الآخرين»..

السابق
الديار: وأخيراً أبصرت حكومة الأكثرية النور والأسد اتصل مهنئاً
التالي
عودة الأشغال إلى مرفأ صور بعد شهرين على توقفها