تركيا: نَغارُ منكِ… وعليكِ!

الأيام أيام انتخابات في تركيا. وبغض النظر عن النتائج التي ستفرزها الصناديق الأحد المقبل، وما إذا كانت ستأتي لمصلحة "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، ذي الجذور الإسلامية، أم لـ "حزب الشعب الجمهوري" المُعارِض، ذي الجاذبية الشبابية، فإن أهمية التجربة التركية الحديثة تكمُن في قدرتها على اجراء الانتخابات دورياً في جو ديموقراطي تنافُسي حُرّ، وفي نِسب المشارَكة المرتقَبة، وفي احترام النتائج، وإيصال الفائز الى الحُكم أياً يَكُن. وبما أنه ليس بالانتخابات وحدها يحيا الإنسان، فالبلد يعمل بشكل طبيعي، والدولة والمؤسسات، ومن ضمنها الجيش (ودوره الجَدَلي في السياسة) والقضاء، مستمرّة كأن شيئاً لم يَكُن، والدورة الاقتصادية تدور بكامل طاقتها مُرتكِزة على القطاعات الإنتاجية والخدمات. ويُتوقَّع أن تستقطب تركيا هذه السنة نحو 30 مليون سائح، في بلد يناهز عدد سكانه الـ 78 مليوناً، من دون الحاجة لذكر السياحة الداخلية الناشطة، والمشاريع الإعمارية والتجارية والإنمائية، والتطوّر في قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة والتصدير والنقل والموارد الطبيعية والإنتاج التلفزيوني وغيرها.

اللافت في تركيا هو الحس الوطني العارم والشعور بالإنتماء لدى المواطنين، وكيف أن هَرَمية الدولة وهَيْبة الحُكم تأتيان قبل السياسة – فَن المُمكن، واستشراف المستقبل، وتحقيق الإصلاحات والإنجازات، ووصل آسيا بأوروبا. واللافت أيضاً هو الإحتراف الذي يتمتّع به العاملون في الشأن العام والإدارة والقطاع الخاص، و"ثقافة العمل" والإنتاج والمحاسبة واللافت أيضاً وأيضاً هو تلك القدرة على المحافظة على النظافة والبيئة والمساحات الخضراء، والتنظيم المُدُني، وتخزين الموارد المائية واستثمارها، في منطقة تُهدَر فيها المياه وتُسرَق، وتَكثُر فيها الحرائق، ويزداد فيها التلوُّث.

لا يُمكن الحديث عن تركيا دون ذكر موقفها البارز من الديموقراطية في سوريا، واحتضانها لمؤتمر المُعارَضة، واستقبالها اللاجئين، ودعوتها لتطبيق الإصلاحات الموعودة بشكل عاجل وسلمي وحازم. كما لا يُمكن إغفال الندّية في التعامُل التركي مع اسرائيل، والعلاقة الفاترة مع الإتحاد الأوروبي بسبب طلب العضوية المؤجَّل والنزاع حول قبرص، وكذلك العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي، والإنضمام إلى أكثر من عشر منظّمات دولية وإقليمية فاعلة ومؤثِّرة. فهل ستصبح تركيا ذاك الشرطي الإقليمي المُنتظَر وضابط الإيقاع لأزمات المنطقة وفُرَصها السانحة مستقبلاً؟ وهل ستنجح تركيا في أن تكون المُصدِّر الرئيسي للإسلام السياسي المُعتدِل المتصالِح مع فكرة الدولة العلمانية القوية؟ وإلى متى سنبقى نحن اللبنانيين في موقع المتفرِّج على ما يحصل في المنطقة والعالم؟
مِن حقّنا أن نَغار من تركيا… وعليها!

السابق
الانوار: استمرار تفاؤل ٨ اذار بتشكيل الحكومة مرهون بلقاء سليمان وميقاتي
التالي
قرى جنوبية درست وبادت واختفت