أزالت الجامعة الأميركية إعلانها بتسليم الدكتوراه الفخرية

أوّل ما كان يلفت انتباهك على الموقع الإلكتروني للجامعة الأميركيّة في بيروت، حتى الساعة الخامسة من بعد ظهر أمس، الإعلان المزركش الكبير عن يوم 25 حزيران المقبل. في الموعد المنتظر، تمنح الجامعة دكتوراه فخريّة لست شخصيات اختارتها لتكريمها في حفل تخريج الجامعة الثاني والأربعين بعد المئة، لكن الإعلان اختفى فجأةً عن الموقع، ولا داعي إلى البحث كثيراً عن السبب، إذ إنّه مرتبط بالتأكيد بالجدل الكبير الذي أثارته دعوة الجامعة رئيس البنك الدولي السابق جيمس ولفنسون لتكريمه بدكتوراه فخرية!

إلا أن هذه الخطوة قد تكون ظاهريّة فحسب، لأن اسم ولفنسون لا يزال وارداً ضمن لائحة المكرّمين في البيان الصحافي الخاص بالحفل الموجود على الموقع، إضافةً إلى أنّ صورته تتصدّر صور «زملائه» الخمسة الآخرين. هذا أقلّ ما يمكن أن تقدّمه الجامعة الأميركيّة في بيروت للرجل الذي اختارته لتقديم الخطاب الرئيسي في حفل تمنح فيه الدكتوراه الفخريّة لكلّ من: أول امرأة تتولى رئاسة جمهورية إيرلندا ماري روبنسون، الفنان اللبناني مارسيل خليفة، عالم الفلك أوين غنغريتش، الكيميائي ـــــ الفيزيائي المصري ـــــ الأميركي مصطفى السيد، مدير مكتب «نيويورك تايمز» في بيروت الصحافي أنتوني شديد… وطبعاً جايمس ولفنسون.

تختصر الجامعة كثيراً في تعريفها بولفنسون على موقعها الإلكتروني. إذ تكتفي بذكر أنّه «مصرفي استثماري دولي ومستشار اقتصادي ويرأس حالياً شركته «ولفنسون أند كومباني». خدم رئيساً للبنك الدولي بين عامي 1995 و2005 وجهد بقوة لتخفيف ديون الدول الأفقر ولمحاربة الفقر في العالم. وبعد انتهاء رئاسته للبنك الدولي، خدم عاماً واحداً كمبعوث خاص إلى قطاع غزة». ولا تنسى الجامعة إثارة ميول ولفنسون الفنيّة، مذكّرة بدراسته الجامعية الأولى للفنون ثم المحاماة، مغيّبة بذلك الجزء المتعلّق بصهيونيته، الذي يثير جدلاً كبيراً في الجامعة.

ذلك أنه منذ إعلان انضمام اسم رئيس البنك الدولي السابق، الأسترالي الأميركي اليهودي إلى لائحة المكرّمين، نظّم أساتذة الجامعة وطلّابها، إضافةً إلى العاملين فيها، عريضة ترفض دعوته إلى جامعتهم وتكريمه فيها. وقد وقّع حتى الآن 100 أستاذ تقريباً من كليات الجامعة كافة، ومئات الطلاب العريضة، كما أطلقت حملة على موقع فايسبوك لحثّ إدارة الجامعة على إلغاء زيارة ولفنسون، فهل تستجيب الجامعة لمطلبهم؟ وخصوصاً أن الاعتراض ليس على يهودية ولفنسون، بل على صهيونيّته، التي يقول الرجل إنّها «مسألة عاطفيّة بالنسبة إليه، زرع أبوه، الذي كان من المبشّرين بها في الحرب العالميّة الأولى، حبّها في قلبه» بحسب صحيفة «هآرتس» (19/7/2007). منذ طفولته إذاً، كبر ولفنسون ليصبح عضواً دائماً في «معهد الديموقراطية الإسرائيلية» ومستثمراً أساسياً في شركة Better Place التي أسّسها الإسرائيلي شاي أغاسي، وهي تنشئ شبكة محطات تعبئة للآليات العاملة على الكهرباء في إسرائيل وتدعم خدمات المستوطنين في الضفّة الغربية. والمفارقة أن الشركة المهتمّة بالموضوع البيئي لم تجد مديراً تنفيذياً لها إلّا جنرالاً في الجيش الإسرائيلي هو موشيه كابلينسكي، الذي يتذكّره اللبنانيون من أيام الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ومن مشاركته في عدوان تموز 2006 عندما أرسله رئيس الأركان الإسرائيلي حينها دان حلوتس ممثلاً عنه الى قيادة الجبهة الشمالية بعد إطاحته عودي آدم، كما يعرفه الفلسطينيون الذين تعرّضوا لقمعه خلال الانتفاضة الثانية، كذلك فإن الصحف الإسرائيليّة لم توفّره من الانتقاد لدمويّته خلال تأديته وظيفته سكرتيراً لرئيس الوزراء السابق آرييل شارون.

كأنه لم يكفِ ولفنسون الشراكة مع Better Place، إذ لم يوفّر أيضاً خدماته لـ «الحرب على الإرهاب». فمع بداية الحرب الأميركيّة على العراق عام 2003، كيّف الرجل البنك الدولي ليخدم إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ودعم حربَيْ العراق وأفغانستان مالياً. فأيّ خطاب سيقدّم هذا الرجل إلى الطلّاب في بيروت؟ هل يكرّر ذلك الذي ألقاه، الشهر الماضي، بعد تلقّيه جائزة «ترومان» للسلام في إسرائيل؟ هذا ما يحبّ أن يعتقده طلّابها المعترضون الذين أرسلوا إلى إدارتهم كلّ الوثائق التي تؤكد ارتباط ولفنسون بالصهيونية وإسرائيل، منتظرين منها اتخاذ القرار الصائب والوقوف إلى جانبهم، معلنةً إلغاء منحه الدكتوراه الفخريّة، ومنعه من التوجّه إليهم في خطابه في الحفل.

وقد أرسل عدد كبير من متخرّجي الجامعة رسائل إلى الإدارة طالبين منها أيضاً إلغاء دعوة ولفنسون. يتمنى طالب من النادي الفلسطيني في الجامعة، رفض الإفصاح عن اسمه، أن لا يكون هدف الجامعة من خلال هذه الدعوة استفزاز الطلاب والمجتمع اللبناني على نحو عام. ويؤكّد أنّه «في حال مجيء ولفنسون إلى الجامعة فسيكون لنا تحرّك نقرّره لاحقاً»، وخصوصاً إذا استمرّ صمت الإدارة التي لم نستطع أن نحصل على تصريح من أيّ من ممثلّيها في هذا الموضوع.

انتشار الخبر بين الجمعيات المدنيّة الناشطة في مجال مقاطعة إسرائيل ومكافحة التطبيع، جعلها تبدأ التفكير أيضاً في صيغة للتحرّك. وهذا ما يؤكده رئيس تحرير مجلة الآداب سماح إدريس، موضحاً أن أيّ تحرّك سيكون مع طلّاب الجامعة أو حتى خارج أسوارها. فهل تمضي الجامعة رغم كلّ شيء في تنفيذ خطوتها؟ ولمَ اختارت هذه المرّة أن تضيف إلى لائحة مكرّميها اسماً من المفترض أنها تعرف جيداً قدر الاستفزاز الذي يمكن أن يثيره؟ ذلك أنه رغم كلّ شيء، يقول أحد أساتذة الجامعة، لم يكن الاختيار يوماً صريحاً أو استفزازياً لهذه الدرجة.

وأعلن الرئيس سليم الحص في بيان أصدره أمس، انضمامه إلى الأساتذة المعترضين على تكريم ولفنسون وأضاف «نشيد بالموقف الوطني الشجاع لهؤلاء والذي نعتبره موقفاً كريماً فإننا ندعو الجامعة، إن صحّ الخبر، إلى الإقلاع عن تكريم هذا الرجل الذي عرف بدعمه للعدو الإسرائيلي وتماهيه معه».

مارسيل خليفة

رأى الفنان مارسيل خليفة، في تصريح لـ«الأخبار»، قبل تلقيه رسالة من المعترضين على تكريم جيمس ولفنسون في الجامعة الأميركيّة في بيروت «أن قرار المقاطعة ليس قراراً فردياً»، ودعا المعترضين «إلى تصعيد الاحتجاجات وتظهيرها». وكان المعترضون قد وجّهوا رسالة إلى خليفة أعلنوا فيها قلقهم من تسلّمه الدكتوراه الفخريّة في الحفل ذاته مع ولفنسون. وتوجّهوا إليه قائلين: «نودّ أن نعرب عن إيماننا بقدرتنا على إيصال رسالتنا، وأملنا أن لا تُمنح هذه الشهادة الفخريّة إلى من لا يستحقّها للأسباب ذاتها التي نحن أكيدون أنّك تؤمن بها، وتعبّر عنها في أغنياتك وكلماتها التي يحملها كثيرون حول العالم في قلوبهم».

السابق
إفادة بيفاني أربكت النواب وأخافت وزيرة المال
التالي
لو حكى المولود في لبنان؟!