إفادة بيفاني أربكت النواب وأخافت وزيرة المال

قدّمت الحسن في بيانها رواية مختلفة تماما عما سمعه النوّاب في الجلسة (أرشيف ــ بلال جاويش)اقترفت وزيرة المال ريا الحسن خطأ فادحاً باقتراحها استدعاء نظرائها السابقين الى اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة النيابية، فسارعت الى التبرؤ من هذا الاقتراح في بيان صادر عنها، مدّعية ان 20 نائباً تبنّوا اقتراحها امس «فهموها غلط» وحوّروا كلامها وسلخوه من سياقه… يبدو أن أول المستدعين، فؤاد السنيورة، غاضب جداً الآن

كانت جلسة اللجنة النيابية الفرعية المكلّفة بتقصي الحقائق حول حسابات الدولة المالية، امس، استثنائية بكل المقاييس، ليس بسبب حشد 20 نائباً لحضورها من معظم الكتل الاساسية، في حين أن عدد اعضائها 5 نوّاب فقط، بل لأن وزيرة المال ريا الحسن اضطرت اخيراً إلى الرضوخ لطلب اللجنة، وسمحت للمدير العام في الوزارة الان بيفاني بالمثول امامها، وذلك بعد رفضها ثلاثة طلبات سابقة بحجج واهية تنطوي على مخالفات واضحة للنظام الداخلي لمجلس النواب.

ولأن الوزيرة الحسن نفسها سقطت في التجربة التي كانت تخشى الخوض فيها، اذ لم تستطع ان تتمالك اعصابها ازاء الفضائح التي فجّرتها افادات بيفاني، فلم تمتلك ردودا عليها سوى التقدّم باقتراح يرمي الى استدعاء كل وزراء المال السابقين، الذين تعاقبوا على الوزارة منذ تولّي المدير العام الحالي مهماته في عام 2000، للرد على ما جاء في هذه الافادات الخطيرة. وهو ما تلقّفته اللجنة سريعا، وقررت تبنّي اقتراح الوزيرة الحسن جملة وتفصيلا. ويعكف رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان على إعداد الدعوات للاستماع الى هؤلاء الوزراء، بدءا بالرئيس فؤاد السنيورة الذي شغل منصب وزير الدولة للشؤون المالية ووزير المال بالاصالة في كل حكومات الرئيس الراحل رفيق حريري منذ عام 1992 (9 سنوات) مرورا بالوزراء جورج قرم (سنتين) والياس سابا (4 اشهر) وديميانوس قطّار (3 اشهر) وجهاد ازعور (اكثر من 3 سنوات) ومحمد شطح (سنة تقريبا) وصولا الى الوزيرة الحسن نفسها التي تصرّ على تحمّل وزر المراحل السابقة كلّها وترفض كل الدعوات الرامية الى تصحيح اوضاع وزارة المال.
ولا تقف استثنائية هذه الجلسة عند هذا الحد، فالافادات التي ادلى بها بيفاني بدت صاعقة لجميع النوّاب الحاضرين، وهو ما دفع بالنائب علي حسن خليل الى التوصية بجعل هذه الافادات «علنية»، اي رفع «السرية» عنها التي تفرضها سرية مداولات اللجنة، فتقرر رفع هذه التوصية الى لجنة المال والموازنة النيابية لبتّها في جلسة ستعقدها يوم الثلاثاء المقبل، علما ان هذه الجلسة ستسبقها جلسة خاصة للجنة الفرعية يوم الاثنين لتداول ما كشفه بيفاني والبدء باستدعاء وزراء المال السابقين.

هذه النتائج التي اسفرت عنها جلسة امس، اكّدت خشية فريق الوزيرة الحسن من مثول بيفاني امام اللجنة، ولا سيما ان استدعاء نوّاب هذا الفريق لحضور الجلسة وتطويق المدير العام ومحاصرته ادّت الى عكس ما كان مخططا له، كما ان احضار حشد من مديري الوزارة المحسوبين على هذا الفريق (7 موظّفين)، بقيادة مستشار وزيرة المال نبيل يموت، لم يجد نفعا، بل ساهم في المزيد من الارتباك نتيجة افاداتهم المتناقضة… ويبدو ان هذا الاداء السيئ اثار غضب الرئيس السنيورة، الذي عمل سابقا على اجهاض اي دعوة ترمي الى مثوله امام اللجنة النيابية، فصبّ جام غضبه على موظّفيه السابقين والمتدرّبين على يديه، وفي مقدّمهم الوزيرة الحسن، فما كان من الاخيرة الا اصدار بيان مثير للشفقة، بعد ساعات قليلة من انفضاض الجلسة، تدّعي فيه ان «ما نُسب اليها عن اقتراحها استدعاء الوزراء المتعاقبين على الوزارة، قد حُوّر، وسُلخ من سياقه الاساسي». وقدّمت الحسن في بيانها رواية مختلفة تماما عما سمعه النوّاب في الجلسة، ما دفع بالنائب كنعان الى الردّ في اتصال مع «الأخبار» بدعوة الرأي العام عبر ممثليه في البرلمان الى الاطّلاع على محضر الجلسة (والتسجيل الصوتي) للتأكّد من ان وزيرة المال «لا تقول الحقيقة»، وقال «ان الوزيرة الحسن تُثبت في كلّ مرّة عدم اهليتها في ادارة اموال اللبنانيين».

وبحسب روايات عدد من النوّاب الذين حضروا الجلسة امس، فقد بدأ بيفاني بالاجابة عن الاسئلة بهدوء تام، وغلب على افاداته الاولية الطابع الاداري والتقني البحت… الا ان حماسة النائب جمال الجرّاح دفعته الى ارتكاب الخطأ المميت، فأدلى بمداخلة اتهم فيها بيفاني بأنه المسؤول عن عدم اعداد الحسابات لكونه هو الثابت الوحيد طيلة 11 عاما في حين ان وزراء المال المتعاقبين يأتون ويذهبون… واندفع الجرّاح مزهوّاً بقدرته على قلب الطاولة، فقال لبيفاني: «ان مديريات وزارة المال المتقاعسة تتبع لك، ولذلك أنت المسؤول الوحيد»… عندها اصرّ بيفاني على اخذ الكلام، وفتح صندوقة «باندورا» المحرّمة، واخرج منها كل ما تحتويه من أمراض اصابت ادارة المال العام منذ عام 1993 حتى اليوم. استغرق افراغ الصندوقة نحو 4 ساعات متواصلة: ادارة معطّلة، فوضى وفلتان بالتفصيل، مستشار (نبيل يمّوت) يتحكّم بكل شيء ويتسلّط على الموظّفين ويدير الوزراء ويلغي قرارات المدير العام، هبات لا تسجّل (بالارقام الكاملة)، سلفات لا تُرد، فريق خاص من خارج الملاك الشرعي يقوم بكل الاعمال الحسّاسة بلا اي رقابة ولا يخضع لأي قانون او نظام… قال بيفاني للجرّاح: «هل هذا ما تريد سماعه؟ خذ المزيد»، واستمر بتقديم المعطيات الخطيرة، فلم يستطع النائب علي عمّار كبت انفعاله مما يسمع، فهتف «والله هذه جريمة»، فيما سارع النائب غازي يوسف إلى إطفاء النار، ولو متأخراً، معلناً: «نحن (كتلة المستقبل) لا نرى ان الخلل ناجم عن المدير العام». لكن ما قيل قد قيل، والافادات «السرية» قد تصبح «علنية» اذا أقرت توصية النائب علي حسن خليل.

عندها استنجدت الوزيرة الحسن بمديرة الخزينة في وزارة المال موني خوري، فأوعزت لها بالكلام، فإذا بالأخيرة تخاف وتقول بأن لا علاقة لمديريتها بالحسابات بل هي من مسؤولية مديرية المحاسبة العامّة، فطلب النوّاب الاستماع الى مدير المحاسبة العامّة زياد الشيخ، الذي عينته الحسن بعد استبعادها المديرة السابقة رجاء الشريف قصاصاً لها على تعاونها مع ديوان المحاسبة، فاذا بالشيخ يجيب: «كيف بدّي اعمل الحسابات اذا كانت مديرية الخزينة تمتنع عن ارسالها لي؟»… عندها تدخّل النائب ميشال حلو متسائلا: «ايه شو قاعدين عم تعملوا اذا كنتم لا تقومون بوظيفتكم التي تتقاضون اجوركم عليها؟».

ارتبكت الوزيرة الحسن، فطلبت الكلام لنفسها، فسارع النائب غازي يوسف إلى مقاطعتها بهدف انقاذها، وقال «لن نسمح بأن تتحول اللجنة الى محكمة».

وقال النائب كنعان بعد الجلسة «ان افادات بيفاني اثبتت ان المسألة ليست تقنية فقط يمكن معالجتها بعمليات حسابية، بل تتعلّق بالاساس بمصير آلاف المليارات من الاموال العامّة».

لم تمتلك وزيرة المال سوى اتهام النوّاب بتسييس عمل اللجنة، فاستحضرت في بيانها بعد الجلسة المتراس المفضّل لدى فريقها السياسي، اذ وصفت ما حصل بأنه «اشبه بجلسة تحقيق استتباعاً للحملة التي تشن على مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وانتقدت استعمال بعض النواب عبارات تنطوي على اتهامات واضحة تحاول الايحاء بوجود «جرم» او «استباحة» للمال العام.
لم تقل الحقيقة
تجدر الإشارة إلى أن القانون الذي يرعى عمل الموظّفين في الادارات العامّة يحظّر الادلاء بتصريحات او بيانات غير مأذون بها، وهو ما استغلّته الوزيرة ريا الحسن في بيانها بعد جلسة النيابية امس، اذ قالت ان المدير العام لوزارة المال الان بيفاني اجاب امس بأنه لم يتقدّم بخطة او ببرنامج اثناء فترة توليها وزارة المال، لأنه كان يخشى رفض اقتراحاته، وهو ما اثار الريبة لديها… الا أن «الأخبار» سألت 5 نوّاب حضروا هذه الجلسة، فكانت اجاباتهم متطابقة: «بيفاني قال العكس تماماً، وقدّم الاثباتات على ان الوزيرة الحسن عطّلت كل قراراته ومبادراته».

السابق
عون: لا خيار أمام نصرالله سوى الانصياع لأوامري
التالي
أزالت الجامعة الأميركية إعلانها بتسليم الدكتوراه الفخرية