مَن يقرّر للعرب مستقبلهم؟

هان العرب على أنفسهم حتى باتوا يسمعون القرار حول مستقبلهم في أوطانهم مترجماً عن الإنكليزية المطعمة بشيء من العبرية.

فالمسؤولون في الإدارة الأميركية يخرجون على الرعايا العرب، بوتيرة شبه يومية، ليقرروا مصير هذا النظام أو نهاية ذلك الرئيس، أو تمديد فترة السماح لامتحان سلوك الحاكم المطعون بشرعيته، إلى أجل مسمى.

بالمقابل، صار من حق الأنظمة الملكية والسلطانية والمشيخات التي صارت دولاً مذهبة، أن تتباهى على الجمهوريات العربية، ومعها جماهيرية «الأخ العقيد»، بأنها أعظم رخاءً وأكثر استقراراً وأوسع نفوذاً، بغض النظر عن أعداد الرعايا قياساً إلى الوافدين… فماذا يهم العالم من أمر العمال المستقدمين من أفقر بلاد الأرض الذين يمكن تبديلهم بشحطة قلم أو ربما بإشارة بقفا الكف مصحوبة بكلمة واحدة: برّه!!

ما هم أن يكون القدر قد وفر لهؤلاء الحكام المذهبين ثروات خرافية لم يتعب من آلت إليهم في استخراجها أو في «تصنيع» مشتقاتها، أو حتى في حماية الآبار وطرق المواصلات والناقلات الضخمة التي تجوب البحار بحراسة الأساطيل وحاملات الطائرات تحت رقابة الأقمار الصناعية موجهة الصواريخ التي لا تخطئ أهدافها؟!

منذ فترة طويلة توقفت مؤامرات القصر التي يعزل فيها الابن أباه، أو يقتل الأخ شقيقه، أو ينفي الأب نجله الأكبر، أو يشتري الأصغر ولاية الأكبر بعرض لا يمكن رفضه، ليستقر الأمر لصاحب الأمر، ودائماً عبر تقديم التعهدات بأن يعطي من بره كما من بحره أكثر لقواعد عسكرية جديدة «تحمي استقرار الأسرة في السلطة، ومنابع النفط» دفعة واحدة.

صارت الممالك والسلطنة والمشيخات التي صيّرت إمارات هي الأكثر استقراراً والأعظم رفاهاً، واستقطبت الأكبر والأعرق من الجامعات ذات السمعة العالمية، واستوردت المتاحف «مفروشة»، وأنشأت إعلاماً للخارج يكاد يكون «ثورياً»، واستدعت أشهر الفنانين والفنانات، وأقامت المعاهد الموسيقية، واشترت كأس العالم، وبنت أعلى برج في العالم من دون أن تشعر بالحاجة إلى الشعب وإزعاج صاحب الأمر بمطالبه التي لا تنتهي.
كذلك فقد أمكنها أن تسيطر بفضائياتها على العالم، عربياً وغير عربي، وأن تستضيف المؤتمرات حول الديموقراطية، وأن تسجل على «الجمهوريات» نقص إخلاص قادتها وشعوبها معاً لمبادئ الجمهورية، وخروجها على التصنيف المعتمد دولياً إذ تسمي دولها «جمهوريات» في حين أنها ملكية أكثر من الملكيات «الشرعية».

هكذا فإن المجلس الملكي يقرّر حماية الديموقراطية في البحرين بقوات درع الجزيرة، التي أدت مهمتها على أكمل وجه، ويقرّر كذلك حماية الجمهورية في اليمن فيوفد من يعرض شراء المناصب جميعاً لإعادة توزيعها بالعدل والقسطاس على الأحزاب والعشائر والقبائل والمشايخ من أصحاب النفوذ التاريخي.

ثم إن هذا المجلس يقرّر المساعدة على نصرة الثورة في ليبيا فيوفد بعض طيرانه الحربي ليعزز أساطيل الحلف الأطلسي، ويعلن الاستعداد لاستضافة أي رئيس تخلعه الانتفاضات الشعبية.
الباقي للصورة: السفير الأميركي في اليمن يمتحن إخلاص نائب الرئيس لرئيسه الجريح، والرئيس الأميركي يوجه الإنذار الأخير للقذافي، والدول السبع تستبعد روسيا لكي تحيل سوريا الى مجلس الأمن، والسودان إلى المحكمة الدولية بالإجماع، والجزائر إلى فرنسا بالأغلبية، أما العراق فملكية أميركية خاصة مع الإقرار لإيران بحق الشفعة..

.. وأما لبنان فيتميز بأنه مؤهل لأن يجمع الكل فيه، فلماذا إذاً الحكومة وجلسة الثقة وعراك النواب والخلافات الديموقراطية بين الموالاة التي صارت معارضة والمعارضة التي لا تعرف كيف تصير حكومة.
دع الخلق للخالق، ولا تهتم بأعداد القتلى اليوم، فالعرب ولاّدون.

فقط تحاشَ أن تفكر بفلسطين، أو أن تحلم بغد لا تتهدده الفتنة أو أن يذهب بك الخيال إلى الثقة بأن هذه الدول القائمة هي دول فعلاً، وأنها غير قابلة للتقسيم أو التشطير أو الذوبان كأنها لم تكن!
اسمع شيئاً من الموسيقى قبل أن تنام، أو كي تنام!

السابق
الاخبار: عون، ميقاتي لا يريد التأليف
التالي
الانباء: رسائل “أس أم أس” بين جنبلاط وفيلتمان.. لكن لا تكويعة جديدة