النظام أو البطة السورية

هل خطر ببال النظام السوري حينما كان في ذروة قوته، قبيل اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الراحل، أنه سيجد نفسه مطاردا دوليا ومحاصرا داخليا كما هو الآن؟ الحقيقة تكالبت عليه النوائب من كل حدب وصوب بما لا يخطر على بال أحد.

سلسلة من اللطمات؛ لا ينتهي من واحدة حتى يصاب بأخرى، أعظمها هي أحدثها، حيث بات مصير النظام مهددا دوليا. فمجلس الأمن سيناقش شرعية النظام؛ يبدأ في صياغة قرار يشجب ممارساته ضد شعبه وعمليات القتل الضخمة ضد المحتجين المسالمين. وسبقتها لطمة مباشرة عندما أقرت المجموعة الأوروبية بعد تقرير من منظمة حقوق الإنسان الأوروبية جملة عقوبات ضده. وصاحبتها عقوبات أوروبية سُمي فيها الرئيس بشار الأسد بالاسم، ووضعت المجموعة اسمه على قائمة الممنوعين من السفر إليها وجمدت أرصدته. لطمة أخرى هذا الصيف حيث تبدأ المحكمة الدولية بإعلان التهم ضد قتلة الرئيس الحريري، المعركة التي أضنت حكومة دمشق وأنهكتها خلال السنوات الثلاث الماضية وهي تحاول منعها. كما بدأت المحكمة الجنائية الدولية في الاستماع للاتهامات الموجهة ضد النظام السوري، المحكمة التي يعرفها الناس باسم نجمها أوكامبو واشتهر بمطاردة الرؤساء مثل الرئيس السوداني عمر البشير، والزعيم الليبي معمر القذافي. أيضا، جاءت لطمة من جهة شبه منسية هي وكالة الطاقة الذرية التي سترفع تقريرها ضد النظام السوري بسبب مخالفات بناء مفاعل نووي قصفته إسرائيل.

لقد أصبح النظام السوري مثل البطة التي لا تتحرك في أي اتجاه إلا ويسهل صيدها.

فإن نجا النظام من عقوبات مجلس الأمن على جريمة قتل الشعب السوري، وذلك بفضل الفيتو الروسي المتوقع، فقد لا ينجو من تقرير محكمة اغتيال الحريري الدولية، ولو أنقذه طول المرافعات وبطء معاملات المحكمة، فإن تقرير أوكامبو في جرائم الإبادة سيكون جاهزا. وإذا أفلح في الإفلات من هذه أيضا، فعليه أن يواجه عقوبات في المسألة النووية، وإذا أفلت منها جميعا فعليه مواجهة تنامي الثورة السورية من الداخل التي فشلت محاولاته في قمعها، والتضليل ضدها باسم المسلحين والسلفيين، حتى إنها أصبحت أكبر الثورات العربية في التاريخ المعاصر، تضم عشرات المدن ولأكثر من ثلاثة أشهر. أين هم أصدقاء النظام؟ ثبت أن استنجاده بحزب الله وإيران وجماعة أحمد جبريل زادت كراهية الناس له وغضبهم منه. كما أن النظام الإيراني عليل مثله ولا يستطيع التمادي في إنقاذه سوى بالمزيد من السلاح. وحزب الله، مثل إيران، لا تفيد تبرعاته لأنه يواجه شعبا من 25 مليون نسمة. حزب الله الذي عاش على البروباغندا السياسية منذ عشر سنوات، لا يستطيع أن يفاخر ويجاهر بمواجهته للسوريين إلا بتسيير بضع مظاهرات في الضاحية الجنوبية من بيروت تخجل المواطن الشيعي أن يراها ضد جيرانه.

النظام السوري لا يدري بعد أنه عليل بمرض كالسرطان ينتشر رغم كل محاولات التصدي العنيفة، بالاستنجاد بالأمن ولغة الإعلام القديمة. عليه التصالح مع شعبه.. هذا هو الترياق الأخير.

السابق
البناء: صمتٌ بعد “إلّا” مهدِّدة يُحيل قصر العدل في بعبدا اضطراباً وإخلاءً
التالي
المستقبل: بريطانيا تطالب الأسد بالتنحي وفرنسا تريد إدانة دولية لدمشق وطهران