حسين الخليل يخصّب اليورانيوم

حسين الخليل، أو ح. خ، كما هو مسمىًّ في الدعاوى القضائية، بات أشهر من نار على علم بعدما تحولت محطة الوقود الخاصة به والشوارع المحيطة بحيّه الصغير مكاناً للحملات الإعلانية والشعارات التي يخطها بيديه. شعاره «كن للظالم خصماً وللمظلوم عوناً»

«من هنا سيخرج القرار». صادمٌ المكان الذي عُلّقت عليه تلك العبارة، بقدر ما هو مضحك. فأيّ مكان قد يخطر على البال لخروج قرار، إلا أن يكون «أفا» حمار. لكنه الوحيد الذي فعلها: حسين الخليل أو «ح. خ»، كما يرد اسمه في الدعاوى القضائية المحرّرة بحقه. باللون المعتم العريض، خطّ العبارة ووضعها على مؤخّرة حمار، و«صفّه» أمام محطة الوقود الخاصة به، على عين «الرايح والجاي». هناك، في منطقة برج البراجنة، يذيع صيت الخليل. لكن، مع كلّ هذه الشهرة، يجهل كثيرون مكان إقامته، ما لم يقرن السائل اسمه بمحطة الوقود التي تحمل في كلّ حين اسماً مختلفاً، حسب الحالة السياسية التي يمرّ بها لبنان.

كانت السماء قد دلفت ماءها، وعادت إلى صفائها، عندما قرّر أحدهم أن يقصد المحطة لرؤية الحمار. استدلّ إلى المكان عبر الهاتف، لكنه حينما وصل إلى المنطقة، ضاع كما يضيع الكثيرون في مناطق الضاحية التي تتشابه زواريبها. كان لا بد من الاستفسار عنه من جيرانه. سأل عابرين كثراً عن مكان المحطة، لكن لا جواب دقيقاً. عندها، خطرت بباله فكرة تعديل السؤال بعض الشيء: «وين محطة نجاد النووية لتخصيب اليورانيوم؟». سريعاً، أتاه الجواب «روح دغري دغري…».
وصل السائل إلى المكان المحدّد. هناك، أمام المحطة، كان الرجل يتسامر وبضعة أشخاص. وما إن وصل الزائر، حتى «هبّ» خليل من مكانه مرحّباً بالضيف. يبدأ اللقاء مشوباً بالحذر، فقد خاف خليل من أن يكون هدف الزائر سؤاله عن الدعاوى القضائية. لكن، بعد الاطمئنان، يبدأ السرد، حتى قبل السؤال، عن تجربته في كتابة الشعارات بالقول «كلّ ما أفعله أنني أطبق قول (كن للظالم خصماً وللمظلوم عوناً)».

من الظالم والمظلوم، انطلق الخليل إذاً. لكن، من هو المظلوم والظالم اللذان كانا السبب الرئيسي في اكتشاف موهبة الرجل؟ «الرئيس إميل لحود والنائب أحمد فتفت»، يقول. ففي ليلة «ما فيها ضو قمر، كنت جالساً أنا وزوجتي نتابع وقائع الخلاف في جلسة مجلس الوزراء بين لحود وفتفت، وعلا صوت الأخير في وجه الرئيس الذي قال له قعود أحلى ما فتفتك». في تلك الليلة، شعر الخليل بأن لحود «مظلوم» ولا بد من طريقة لإعادة الاعتبار له. تزاحمت الأفكار في الرأس، إلى أن «وجدها» فجأة. حمل قلماً وورقة وكتب العبارة التالية: «هكذا تكون الرجال يا أشباه الرجال». صباح اليوم التالي، حمل الخليل صورة لحود وذهب بها إلى إحدى المكتبات. كبّرها، وخطّ العبارة في أسفلها وعلقها عند باب حيّه، إضافة إلى صورة الرئيس السوري بشار الأسد.
شيئاً فشيئاً، بدأت الفكرة تستهوي صاحبها، حتى باتت شغله الشاغل، فانبرى يتابع الأخبار والبرامج السياسية، لالتقاط التعليقات منها. كان هدفه واحداً «هو الردّ بالصور على كلام جماعة 14 شباط». وجماعة 8 آذار؟ «بس المستقتلين منهم على المسؤولية والواقفين في وجه المقاومة»، يقول.

كثُرت الأحداث السياسية. بدأت «أعمال» الخليل تتوسع، إلى أن بلغت ذروتها «ايام الانتخابات»، فعدا شعاراته الخاصة، بات الرجل «مقصوداً، كان يجي ناس يطلبوا مني علّق صورة وحط كلمة وبيعطوني مصاري». هذه الأموال كان يدّخرها الرجل للحملات الإعلانية المكلفة، حتى عندما كانت الحملة تكبر «أكثر من طاقتي، كنت أجمع تبرعات من المحبين، يعني بس يجي حدا بعرفه يعبّي بنزين، كنت أطلب الدعم للحملة».
كبرت الحملات، وبدأت الشعارات تنتقل من المحطة إلى الشوارع المحيطة. كلما بان حدث، علق شعاراً، حتى أتخمت بعض الشوارع.

بعد «فشّة الخلق» في عهد لحود، بدأ يسطع نجم النائب السابق باسم السبع في منطقة برج البراجنة. عندها، «نيشن» الخليل على السبع، إلى أن «أتى اليوم». ففي أحد احتفالات 14 آذار، قال السبع: «رأيت الرئيس الحريري واقفاً على باب الجنة، وقد أوصاني بسعد وكان كلما أوصاني يقول محكمة محكمة محكمة». عندها، لمعت الفكرة في رأسه، وكتب تعليقه «صدّق أو لا تصدّق وأخيراً أوحى ربك إلى العالم الروحاني باسم حايك». مزقوها، فعلق بديلاً. اللافتة نفسها، لكن مع إضافة تعديل «فبدل أن تكون باسم حايك أصبحت باسم السبع (حايك)». وخوفاً من أن يمزقوها مرة أخرى «كنت أتولّى حراستها أو يحرسها أحد العاملين في المحطة».

بعد تلك الحادثة، اشتكى السبع في مخفر برج البراجنة، فما كان من المخفر إلا أن أرسل «دورية» إلى الخليل يأمره بنزع الصورة. لكن، بما أن «فعلة الدرك غير قانونية، لكون البلدية يجب أن تأمر بذلك»، قرر الرجل مواجهة الدورية… بـ«آر بي جي».
انتهت المواجهة بدعوى قضائية تلتها دعاوى أخرى، لكنها «كلها دعاوى عمار». يقول مفتخراً «وقفت مع الكثيرين في مواجهة الدرك على الرمل العالي وبرج البراجنة، ورفعت السلاح».

بسبب كل هذا، كثرت الدعاوى، وكانت الدعوى الكبرى من السفارة السعودية بسبب الشعارات القاسية التي رفعها عليها. يومها أرسلت السفارة وفداً إلى الرجل، فما كان منه إلا أن رماهم بقنبلة «بس ما انفجرت، وكانت هذه أكبر دعوى». يقول «ما فيهم يعملوا شي، أولاً ما بيتجرأوا وتانياً أنا كتير بلعب على الكلام». كيف؟ يورد مثالاً «وقت صاروا يتهموا بقتل الحريري شروي غروي، كتبت: إن صدقت رؤياي، فإن سعد هو قاتل أبيه، بس مين سعد؟ ما عنا بالبرج سعد الحركة وسعد سليم وسعد العنان، من سيثبت قانوناً أن المقصود سعد الحريري؟». المرة الوحيدة التي تجرأوا فيها عليه، هي عندما وضعوا الحرفين الأولين من اسمه واسم عائلته في إحدى الصحف، عندها كتب على أوتوستراد المطار «موتوا بغيظكم ح. خ وراكم والزمن طويل».

السابق
بلدية صيدا تسعى لتخفيف إزدحام السير
التالي
الرياضي يحرز بطولة آسيا لكرة السلة لأول مرة