الاخبار: الجولان يشتعل مجدّداً: 23 شهيداً ومئات الجرحى

في ذكرى النكسة، أبى فلسطينيو الشتات، وعلى نحو خاص المقيمون في سوريا، إلا أن يعيدوا التذكير باستمرار نضالهم وعدالة قضيتهم من خلال دمائهم التي سالت على الحدود على مقربة من الجولان المحتل، بعدما فتح جنود الاحتلال نيرانهم باتجاه المتظاهرين، ما أدى إلى استشهاد 23 شخصاً، فضلاً عن جرح أكثر من مئتين

للمرة الثانية خلال أقلّ من شهر، عاشت جبهة الجولان السوري المحتل حراكاً كان غائباً عنها منذ نحو أربعين عاماً. حراك جسّده اللاجئون الفلسطينيون، خلال إحيائهم قبل أسابيع ذكرى النكبة، وكرّسوه أمس خلال إحياء ذكرى النكسة، ليعيدوا تكرار تجربة اختراق الحدود، مقدّمين مجموعة من الشهداء، الذين سقطوا لتأكيد أن حق العودة لا يسقط.

في الخامس عشر من الشهر الماضي خرج الفلسطينيّون في الذكرى الـ 63 للنكبة، غير آبهين بالتهديدات الإسرائيلية، وغير مصدقين أن الحدود التي لطالما حُرموا الاقتراب منها لسنوات باتت لا تفصلهم عنها سوى أسلاك شائكة وجنود إسرائيليين. تناسوا معرفتهم المسبقة بحجم وحشية عدوهم وبنادقه التي ستصوَّب إلى رؤوسهم أو صدورهم، وتقدّموا بثبات حتى نجحوا في اجتياز الحدود والوصول إلى قرية مجدل الشمس معانقين تراب الأرض المحتلة.
أثبتوا للعالم أن تفرّقهم في دول الشتات لم يُنسهم لحظة أنّ عليهم الاستمرار في النضال دفاعاً عن عدالة قضيتهم، وأنهم لا يزالون مستعدين لدفع الثمن مهما غلا، غير آبهين بالحلول السياسية التي تسعى القيادة الفلسطينية للترويج لها، بما في ذلك الدولة الفلسطينية على حدود 1967، التي ستعني حتماً حرمان معظمهم العودة إلى أرض فلسطين.

روت دماؤهم أرض الجولان للمرة الأولى، بعدما نجحوا في تحريك الركود الذي ساد الجبهة منذ عام 1973، عندما وُقعت اتفاقية الهدنة بين سوريا وإسرائيل، لكنهم لم يرتووا. أعادتهم سلطات الاحتلال إلى داخل الأراضي السورية، فمنّوا النفس بأنهم على موعد جديد مع العودة في ذكرى النكسة.

وبالفعل، للمرة الثانية في أقل من شهر، كان الجولان السوري المحتل أمس على موعد مع شباب وشابات فلسطينيين وسوريين أرادوا تكرار التجربة، ومحاولة اجتياز الحدود من جديد، لعلّهم يحققون نصراً جديداً في وجه الاحتلال، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت لهم بالمرصاد، وقتلت 23 منهم، وجرحت أكثر من 225 آخرين، تعرّضوا جميعهم لإطلاق نار مباشر من جنود الاحتلال، وفقاً لما أكده مدير مشفى ممدوح أباظة في القنيطرة.
وعُرف من بين الشهداء: جهاد أحمد عوض، إيناس شريتح، محمود عوض الصوان، أحمد محمود السعيد، مجدي زيدان، علاء حسين الوحش، وأحمد ياسر الرجدان، سعيد حسين أحمد، أحمد محمود الحجة، محمود ديب عيسى وعبد الرحمن الجريدة ورمزي سعيد وفايز أحمد عباس وفادي ماجد نهار.

ووفقاً للشهود، فتح الجيش الإسرائيلي النار على المحتجين بعدما تمكّنوا من تجاوز أول خط من الأسلاك الشائكة وضع لمنع وصول المتظاهرين الى خط وقف إطلاق النار، إلا أن ذلك لم يمنع المتظاهرين من تكرار محاولاتهم في أكثر من مكان لتجاوز الشريط الشائك والدخول إلى الجولان المحتل من عدة مناطق في موقع عين التينة مقابل قرية مجدل شمس المحتلة ومدينة القنيطرة، ما أدى إلى سقوط المزيد منهم مع مرور الوقت.

ونقلت وكالة الأنباء السورية،«سانا» شهادات عدد من الشبان الذين شاركوا في التظاهرة من بينهم، محمد شحيبر، وهو أحد الشبان الذين اقتحموا الشريط الشائك قبالة مجدل شمس المحتلة. وقال شحيبر «إننا نعلم مسبقاً أن قوات الاحتلال زادت عدد الألغام، وأنها ستواجهنا بالرصاص، لكننا مصرون على العودة رغم إطلاق الرصاص علينا بكثافة»، مشيراً إلى أن زميله استشهد إلى جواره، ومع ذلك فإن العزم ما زال قوياً على مواصلة الطريق باتجاه الجولان المحتل. وأضاف «أبلغ من العمر 28 عاماً وكان حلمي أن آتي إلى الجولان، و ها أنا على مقربة من تحقيق هذا الحلم، وبقي حلمي الأكبر أن أضع العلم السوري مكان علم الاحتلال».

من جهته، قال جان الأخرس «أتينا إلى هنا نحمل بأيدينا العلمين السوري والفلسطيني فاستقبلنا جنود الاحتلال بالرصاص، ظناً منهم أننا سنخاف، لكن هيهات، فنحن لن نتراجع ونتمنّى أن نرفع العلم السوري في الجولان». أما الأسير السوري المحرر، علي يونس، الذي يشغل كذلك منصب رئيس لجنة دعم الأسرى، فأكد أن المشهد الذي نراه اليوم يُشعر المرء بالفخر والاعتزاز والشموخ، لأن لحظة التحرير قادمة وقريبة جداً، فالأرض ستعود إلى أصحابها، ولذلك فإن هؤلاء الشبان وهم يقتحمون بشجاعة الأسلاك الشائكة يعبّرون عن توقهم إلى لحظة العودة إلى الجولان محرراً، وهم سيبذلون دماءهم في سبيل ذلك.
وأضاف يونس إن دماء الشهداء والجرحى التي تروي تراب الجولان هي بداية التحرير، فهؤلاء الشبان لا يهابون الموت ولا
الأسر ولا الجنود المدججين، وهم يطلقون عليهم الذخائر الحية والغاز السام، مؤكداً أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يمتلك أيّ رادع أخلاقي أو إنساني يمنعه من استخدام الأساليب الوحشية تجاه هؤلاء الشبان، وهو نفسه الذي يمارس سياسة الموت البطيء بحق أسرانا في السجون الإسرائيلية، وسياسة العقاب الجماعي ضد أهلنا في الأرض المحتلة.

من جهته، قال مختار الجولان المحتل، عصام شعلان، إن الحقوق المشروعة للشعب السوري والفلسطيني ووحدة المصير بينهما تؤكد وحدة هذه الأمة ومصيرها المشترك، مضيفاً «لدينا حقوق سنسترجعها رغم أنف الاحتلال، ولن ترهبنا طائراته ومدافعه لأن هذا الشعب أقوى من كل الجلادين، وسينتصر طال الزمن أم قصر». وأشار إلى أن «ملاقاة الأهل في الجولان المحتل لإخوتهم الذين يحاولون تجاوز الشريط الشائك الذي يفصل بين الجولان والوطن الأم سوريا دليل على وحدة الحلم والمصير، وقد ظهر الجندي الإسرائيلي بين الجانبين ضعيفاً خائفاً وجباناً رغم أن هؤلاء الشبان عزّل من الأسلحة وهو مدجج بأسلحته الفتاكة».

من جهته، لم يتوانَ الجيش الاسرائيلي عن تأكيد إطلاق جنوده النار على المتظاهرين، متهماً إياهم بأنهم تجاهلوا التحذيرات التي أطلقها، ومحمّلاً السلطات السورية المسؤولية بالتسبب في الحادث في محاولة منها لصرف الأنظار عن الاحتجاجات الداخلية التي تشهدها البلاد منذ أسابيع ضد النظام.
وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي «رغم العديد من التحذيرات الشفوية وإطلاق عيارات تحذيرية في الهواء، استمر عشرات السوريين في الاقتراب من الحدود، ولم يبقَ أي خيار للجيش إلا إطلاق النار في اتجاه اقدام المتظاهرين في محاولة لردع أي تصرفات أخرى».
وأوضح كبير المتحدثين العسكريين في إسرائيل، يواف موردخاي، أن القوات فتحت النيران لكن لم يتسنّ له تأكيد سقوط أي ضحايا، مشيراً إلى أنه إذا كان عدد القتلى الذي أعلنه التلفزيون السوري صحيحاً، وكان الجنود الإسرائيليين قد نجحوا في منع المحتجين من اجتياز السياج الحدودي فإن هذا بالتالي «في رأيي رد محسوب ومحدّد وملائم».

من جهته، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بياناً أكد فيه أن «إسرائيل تحمّل النظام السوري كامل المسؤولية عن أحداث العنف على الحدود في شمال هضبة الجولان». وأضاف البيان إن «النظام السوري يحاول من خلال ممارساته الأخيرة صرف الأنظار عن المجازر والجرائم التي يرتكبها بحق أبناء الشعب السوري».

جبهة الجولان كانت الأسخن بين الجبهات التي أحيت الذكرى أمس، ولا سيما بعد إلغاء مسيرة العودة في لبنان، واقتصار الفعاليات على مهرجانات خطابية في المخيمات الفلسطينية، فيما حاول بعض الفلسطينيين الوصول إلى السياج الحدودي، غير أنهم ووجهوا بالمنع من جانب الجيش اللبناني.

في المقابل، لم يكن الحراك في الداخل الفلسطيني على مستوى الحدث والاستعدادات، ولا سيما في قطاع غزّة، حيث جاءت فعاليات إحياء الذكرى باهتة، بعد التوافق بين الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها «حماس»، على منع التوجه إلى السياج الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948، لمنع تكرار مشهد 15 أيار، الذي سقط خلاله شهيد وعدد من الجرحى.
مشهد الضفة الغربية كان أسخن من مثيله الفلسطيني في القطاع، إذ نُظمت مسيرات في عدد من المدن، واتجهت إلى الحواجز الإسرائيلية في طريقها إلى القدس المحتلة، إلا أنها جوبهت بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، الذي أدى إلى سقوط نحو 50 جريحاً.

السابق
السفير: ذكـرى النكسـة تفتـح جبهـة سـوريا أمـام العائديـن
التالي
البناء: يوم النكسة يستحيل في الجولان يوماً للمقاومة