ولادة حكومية وشيكة أم “رصاص خلّبي”؟

ميز رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي موقفه من موضوع عقد جلسة تشريعية للمجلس النيابي دعا اليها الرئيس نبيه بري فرفض مع النائبين محمد الصفدي واحمد كرامي المشاركة فيها تجنبا لتعميق الانقسام في البلد بما يعطي مؤشرا اوليا الى عدم التماهي بين موقف هذه الكتلة وموقف افرقاء 8 آذار. وفي ظل انطباعات اثيرت في الاسبوع الماضي عن احتمال استعادة قوى 14 اذار الاكثرية النيابية في ظل مواقف انتقادية للنائب وليد جنبلاط تناولت فشل قوى 8 اذار في تأليف الحكومة، بدا ان الفرصة مناسبة لتكريس الكلام على تيار وسطي يضم الى ميقاتي وجنبلاط رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذين لا يوافقون على دعوة بري الى جلسة غير قانونية للمجلس. اذ يقول افرقاء سياسيون كثر ان بري اخطأ في الدفع في هذا الاتجاه لاعتبارات متعددة، اولها انه رفض وضع بند وحيد على جدول اعمال الجلسة التي دعا اليها تتعلق بموضوع التجديد لحاكم المصرف المركزي.

اذ ان هذا البند كان سيؤمن موافقة حتى من كتلة النائب جنبلاط نتيجة الرغبة في المحافظة على الاستقرار المالي في البلد في حين ان اصرار بري على جدول اعمال فضفاض اطاح نصاب المشاركة في الجلسة. ثم ان بري دعا هيئة مكتب المجلس الى الاجتماع معه واستمع الى رأيها ثم ذهب في الاتجاه المعاكس. والاهم من ذلك ان رئيس المجلس الذي ظل كثر، ومن بينهم جنبلاط، يحضون قوى 14 آذار على التواصل معه باعتباره الباب المحتمل للحوار من اجل استمرار التواصل بين الافرقاء السياسيين على رغم اختلافاتهم، اقحم نفسه في مسار ينعكس سلبا عليه وينزع منه امكان لعب هذا الدور، علما ان كل ما يقوم به يدرجه نواب من الاكثرية الجديدة في محاولة التغطية على فشل هذه الاكثرية في تأليف الحكومة، اضافة الى التغطية على المشكلة التي احدثها وزير الاتصالات شربل نحاس. وتاليا فان ما يقوم به هو معركة في الوقت الضائع من دون ان يكون واضحا ما اذا كان يمكنه التعويض بذلك عن الفشل في التوصل الى تأليف الحكومة من خلال الايحاء بان قوى 8 اذار قوية وقادرة على اكثر من مستوى حكومي ونيابي ايضا.

وقد نشطت المساعي في اليومين الاخيرين لرمي كرة التعطيل او التأخير في ملعب ميقاتي بالذات ونأي قوى 8 آذار بنفسها عن المسؤولية التي ساقها ضدها على نحو خاص النائب جنبلاط. الا ان خطوة التمايز التي قام بها ميقاتي، ولو جاءت منعا لمزيد من التشرذم، توجه رسالة ايجابية الى من يهمه الامر في الخارج بان قوى 8 آذار ليست هي من يتحكم بالقرار في الحكومة العتيدة وان هناك مجالا واسعا للاختلاف في الرأي وان هناك تيارا وسطيا عملانيا لا يقتصر على القول فقط بل يمتد الى الفعل. وتاليا فان هذا الموقف لا يوحي بامكان ان ينهزم الرئيس المكلف امام مطالب الآخرين في ظل رفض ان ينهزم ايضا رئيس التيار العوني ويتراجع عن طلباته. فهل ولادة الحكومة تبدو جدية في هذا الاطار ام هي ليست اكثر من مجرد لعبة اعلامية في
اطار تقاذف المسؤولية بين قوى الفريق الواحد؟

الجواب عن هذا السؤال ارتبط، بالنسبة الى متابعين معنيين، بتطورات الوضع في سوريا شأنه في ذلك شأن موضوع التحرك الفلسطيني في ذكرى النكسة في اتجاه الحدود اللبنانية مع اسرائيل. اذ ان الاتصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين تركزت في اليومين الاخيرين على السعي لدى لبنان لعدم السماح بتجاوز القرار 1701 كما حصل في ذكرى النكبة قبل اسابيع قليلة. ذلك ان المسؤولية لبنانية بنسبة كبيرة نتيجة عدم منع الجيش اللبناني للفلسطينيين من الوصول الى الشريط الشائك ومحاولة عبوره. وقد اسفرت عن اتجاه لدى الجيش اللبناني الى تشديد الاجراءات والاعلان عن خطوات تحول دون اي من الحركات الاحتجاجية الى الحدود. الا انه ورغم الارادة التي عبر عنها المسؤولون في هذا الاتجاه، فان علامات استفهام عدة لا تزال ترسمها مصادر ديبلوماسية معنية في بيروت تعتقد انه، وعلى رغم الموقف اللبناني، فان الامر يستمر متعلقا بامكان ان يحصل حشد فلسطيني في الجولان. فاذا كان لهذا الاخير ان يحصل وسط الدفع في اتجاهه، فهذا يعني ان ذلك سيسري حكما بالنسبة الى جنوب لبنان ايضا، خصوصا ان هذا الامر مرتبط ايضا بطبيعة التطورات الميدانية في سوريا امس الجمعة.

وينسحب الامر ايضا على تأليف الحكومة. اذ لا يرى المعنيون كيف يمكن ان ترى الحكومة النور في ظل التطورات السورية، وقد تذرع من تفاءل في هذا الاطار عبر شائعات تفيد بان ارتياح القيادة السورية للوضع في الاراضي السورية يتيح بسهولة الذهاب الى تأليف الحكومة، في حين يعتقد المعنيون ان الامر لا يتسم بهذه البساطة بل على العكس، اقله وفق تطورات الساعات الاخيرة. ولذلك فان موجات التفاؤل الحكومية بدت اقرب الى لعبة سياسية اعلامية منها الى التعبير الحقيقي عما يجري على نحو يشبه "الحركة من دون بركة" او الرصاص" الخلبي"، كما يقول نائب بارز في الاكثرية الجديدة.

السابق
الانتفاضة والدين
التالي
المستقبل: ضبط الحركة في الجنوب قرار وطني وحكيم