مؤسسات الرعاية الإجتماعية تطلق مناهج للمتأخرين ذهنياً

أطلقت مؤخراً مؤسسات الرعاية الإجتماعية مناهج المتأخرين ذهنياً، وذلك سعياً منها كما جرت العادة إلى تلبية حاجات مسعفيها، لذلك ارتأت في العام 2004 الدخول في إعداد مناهج المتأخرين ذهنياً في ظل غياب أي منهج وطني يراعي حاجات هذه الفئات·
انطلاقا من هذا الواقع تضافرت الجهود على مدى 40 عاماً لصوغ هذه المناهج المرتكزة على خصوصية المتأخرين ذهنياً وفروقاتهم الفردية وحاجاتهم التي تهدف إلى تذليل الصعاب أمام دمجهم وصولاً إلى تمكينهم من الإستقلالية والإنخراط والتفاعل والمساهمة في بناء المجتمع وذلك تحت مبدأ تكافؤ الفرص·

هذا العمل استمر على مدى 3 سنوات وجاءت باكورته مناهج خاصة تتضمن أكثر من 6000 مهارة موزعة على 7 مقررات حيث خضعت هذه المناهج لتجربة ميدانية أدخلت عليها التعديلات اللازمة لتبصر النور في بداية العام 2010 مراعية الفئات الموجودة ضمن التأخر الذهني·

وتجدر الإشارة إلى أن عدد المتأخرين ذهنياً التي تخدمها مؤسسات الرعاية الإجتماعية يبلغ 1150 متأخراً ذهنياً وهم يتواجدون في مراكز مؤسساتها المنتشرة في بيروت وضواحيها ومختلف المناطق اللبنانية·

الزعتري: هكذا بدأت الفكرة <اللواء> التقت رئيسة قطاع التنمية الفكرية سلوى الزعتري التي تحدثت عن كيفية ولادة فكرة مناهج التأخر العقلي وأهميتها، تقول: <إن فكرة إيجاد منهاج خاص للمتأخرين ذهنيا جاءت نتيجة غياب أي منهاج على المستوى الوطني متخصص بالمتأخرين ذهنيا، انطلاقا من ذلك كان لا بد من إيجاد مناهج متخصصة·

كما أن هناك خبرة المؤسسات التي بدأت بخدمة التخلف العقلي إبتداء من العام 1974 لغاية اليوم، وبالتالي كان لديها التجارب والمحاولات والقواعد التي كانت تعمل عليها· هذه الخبرات على مدار الـ 40 سنة أدت إلى إنجاز منهاج المتأخرين ذهنيا على مدار 3 سنوات، وبعد 3 سنوات خضع هذا المنهاج لعملية تجربة ميدانية، بعد ذلك تم إدخال كل النواقص والتعديلات الواجب إدخالها على هذه المناهج، إلى أن أبصر المنهاج النور في أوائل الـ 2010 وبالتالي أصبح كاملا متكاملا>·

7 مقررات و6 آلاف مهارة سلوكية وعن مضمون هذه المناهج تقول الزعتري: <المنهاج تضمن 7 مقررات وهو يحتوي على أكثر من 6 آلاف مهارة سلوكية، وبالتالي كان الهدف من إطلاق هذا المنهاج هو حث وزارة التربية والتعليم العالي على الإلتفات لهذه الحالات ولا سيما أن الوزارة حتى الأن لم تعتمد منهاجا متخصصا لذوي الإحتياجات الخاصة أو الأشخاص المعوقين سواء كانوا من ذوي الإعاقات الحسية الحركية أو المتأخرين ذهنيا ،لذلك حرصنا من خلال عدة لقاءات كجمعيات معنية بالمتأخرين ذهنيا أن نتواصل مع وزارة التربية ولا سيما ما بين عامي 2004 والـ 2006 إلا أن الأمور دوما كانت تبدأ ومن ثم تتوقف·

وانطلاقا من هذه المناسبة نحن نعود لندعو مجددا وزارة التربية والتعليم العالي إلى المبادرة والمباشرة إلى إنصاف الأشخاص ذوي الإعاقة وخصوصا المتأخرين ذهنيا بأن تعد لهم منهاجا على المستوى الوطني يكون ملزما لجميع الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بهذه الفئة ونحن كمؤسسات متخصصة حاضرون لأن نقدم كل الدعم والإمكانيات وجميع قدراتنا كي نصدر منهاجا متخصصا للمتأخرين ذهنيا>·

مناهج شاملة وبالنسبة لإمكانية اعتماد هذه المناهج، تقول: <إن هذه المناهج التي تم إطلاقها تعتبر نواة وبالتالي هي تعتبر نماذج قابلة لأن تعتمدها وزارة التربية كي تكون هي بمثابة الإنطلاقة، ربما تكون بحاجة لبعض التعديلات إلا أنها مناهج شاملة لكل الأمور التي يحتاجها المتأخر ذهنيا>·

محاولات مستمرة وعن مدى الإيجابية لدى وزارة التربية، تقول: <سيكون لدينا محاولة جديدة مع الوزارة عبر الجهات المتخصصة، ولا سيما أن هناك مشروعا لإقامة الدمج التربوي للأشخاص الذين لديهم صعوبات تعلمية وليس لكل الفئات، فإن شاء الله نتمكن في أقرب فرصة أن نوصل صوتنا إلى وزارة التربية وبالتالي أن تضع إمكانياتها لإصدار هذه المناهج>·

جابر: لا بد من مواكبة التطور كذلك التقينا مديرة مؤسسة شملان الإجتماعية (فرع من فروع مؤسسات الرعاية الاجتماعية) هاديا جابر التي كان لها دور أساسي في تحضير هذه المناهج كونها المسؤولة عن الفريق الذي أعد هذه المناهج التي تم العمل عليها منذ بداية العام 2004 والمتخصصة بالمتأخرين ذهنيا·

جابر سلطت الضوء بشكل تفصيلي على هذه المناهج، تقول: <انطلقنا كفريق عمل من الخبرات التي كانت موجودة في مؤسسات الرعاية الإجتماعية والتي كانت قائمة لخدمة المتأخرين ذهنيا، كما أننا ارتكزنا بإعداد هذه المناهج إلى دورات تدريبية خاصة حول كيفية إعداد المناهج وتحديدا الخاصة بالمتأخرين ذهنيا· وطبعا في ظل تطور العمل التأهيلي مع المتاخرين ذهنيا وفي ظل التطور بالثقافة العامة والمتغيّرات الإجتماعية الحاصلة كان لا بد من أن نواكب هذا التطور ومتطلبات العصر مع هذه الفئة من الإعاقة كي نلبي لها إحتياجاتها في المستوى المطلوب· من هنا كانت الحاجة لإعادة النظر بهذه المناهج كي نؤمّن لها التطوير والتحديث اللازم خصوصا في ظل عدم توفر مناهج وطنية على المستوى الوطني>·

جابر لفتت إلى أنه تم الإنطلاق في هذه المناهج من المبادىء التربوية العامة ومن التسلسل النمائي للطفل وفي مختلف المجالات، تقول: <لقد انطلقنا بكافة المجالات، أي المجالات نفسها التي ينمو فيها الطفل العادي الذي لا يعاني من أية إعاقة، ألا وهي القدرات الإدراكية والذهنية بدءا من المجال الإجتماعي، مجال التواصل اللغوي ومجال الإستقلالية والإعتماد على النفس، إضافة للمجال الحركي أي كل ما يخص القدرات الحركية الدقيقة والقدرات الحركية الكبرى بالإضافة إلى التآزر النفس – حركي الذي يتركز عليه نمو الطفل في سنواته الأولى· كما أخذنا بعين الإعتبار بالإضافة إلى مبادىء التعليم العام خصوصية المتأخر ذهنيا من فروقاته الفردية، لذلك ارتكزنا في إعداد هذه المناهج لمواطن القوة ومواطن الضعف الموجودة لدى المتأخر ذهنيا لتعزيزها وتنميتها وتوظيفها في يومياته ومواطن الضعف لتنميتها وتنمية هذه القدرات كي نتمكن من إيصاله ليكون أكثر قدرة في هذا المجال>·

الصعوبات وعن صعوبات التنفيذ المتعلقة بهذه المناهج تقول جابر: <الصعوبة تكمن في ربط المبادىء التربوية العامة والمنهجية العلمية العامة المتعارف عنها بإعداد هذه المناهج وبين خصوصية المتأخر ذهنيا· كذلك هناك صعوبة عملنا عليها وهي كيفية إعطاء كل مجال حقه اللازم كي تتمكني من تلبية احتياجات هذا المتأخر ذهنيا· كما أن هدفنا الأساسي كان في كيفية تأمين التسلسل الصحيح والتسلسل التصاعدي بالأهداف السلوكية كي نصل لهدفنا الأول والأخير والمتمثل باندماجه في المجتمع وإنتاجيته لأن الهدف الأول والأخير في العملية التأهيلية للمتأخر ذهنيا هي أن نستطيع إيصاله كي يصبح عنصرا مستقلا يعتمد على نفسه وبالتالي لا يكون عبئا على أسرته ومجتمعه>·

مدى تقبّل المناهج؟ وعن مدى تقبّل هذه المناهج لدى المتأخرين عقليا، تقول: <هذا المنهاج خضع كما تعلمين لفترة تجربة على مدار 3 سنوات، وكان هناك طرق وأساليب للتدريس وخطط تربوية فردية معدة لكل طفل موجود لدينا وأدوات تقييمية كي نتمكن من تقييم العملية التأهيلية كي ندرك مدى اكتسابه لهذه الأهداف، وبالتالي كي نلمس مدى تجاوبه مع هذا المستوى من المنهاج الذي نقدمه له لنتحقق إذا كانت قد لبت احتياجاته في مختلف المجالات· والحمد لله أننا استطعنا أن نقطف نتائج مهمة جدا على صعيد أبنائنا>·

فرص أوسع وبالنسبة للفرص التي ستؤمّنها هذه المناهج للمتاخرين عقليا، تقول جابر: <بالتأكيد أنها ستساهم بتقديم فرص أوسع كونها تلبي احتياجاتهم وبالتالي كونها أيضا تنمي نسبة من قدراتهم، ونحن عندما نعزز هذه القدرات ونطورها ونوصلها لمرحلة أفضل سنتيح لهم المزيد من الفرص للتواصل الإجتماعي، وهذه المسألة لمسناها بشكل فعلي على الأرض>·

الصورة ليست وردية وعن مدى تقبّل هؤلاء الأشخاص واستقبالهم في المجتمع، تقول: <لا نريد ان نقدم صورة وردية جدا كونه هناك واقع نعيشه، والحقيقة أن أمامنا تحديات كثيرة ومعوقات كما هناك ثقافة المجتمع لذلك مع الأسف ما زال هناك صعوبة في تقبل المعوق والمتأخر ذهنيا، وبالتالي ما زلنا بحاجة لوقت كي نستطيع أن نغيّر هذه النظرة· وهنا نحن نعوّل كثيرا على دور الإعلام لما يستطيع أن يلعبه من دور هام جدا لتغيير هذه الفكرة لدى الرأي العام>·

الجمل: أنشأنا مشروع الدمج المدرسي ولمعرفة ما تقوم به وزارة التربية والتعليم العالي بدورها في هذا المجال، وعما إذا كانت قد خصصت مناهج أو أسلوبا معينا لتقديم العلم والمعرفة لذوي الإحتياجات الخاصة، التقت <اللواء> رئيس منطقة بيروت التربوية وضواحيها محمد الجمل الذي لفت إلى أن الوزارة حرصت منذ ما يقارب السنتين على إعطاء هذا الموضوع أولوية كبرى نظرا للأهمية التي يجسّدها داخل المجتمع، يقول: <إن وزارة التربية تنبهت لأهمية هذا الموضوع لذلك سارعت إلى إنشاء مشروع الدمج المدرسي وقد خصصت لهذه الغاية مدارس في مختلف المناطق اللبنانية منها في فردان وأخرى في برج حمود· كما أننا نسعى في الأيام المقبلة إلى افتتاح المزيد من هذه المدارس لتقديم التسهيلات للطلاب الذين هم من ذوي الإعاقات· كما أن كل من وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة ومدير عام الوزارة أيضا يتابعان شخصيا كل صغيرة وكبيرة حرصا منهما على أهمية تفعيل هذا المشروع· وفي هذا الإطار، هناك دورات تدريبية يخضع لها الأساتذة بهدف معرفة احتياجات هؤلاء الطلاب، وبالتالي معرفة كيفية التعاطي معهم وذلك بهدف الإرتقاء بهذا المشروع·

واسمحي لي هنا أن أشير إلى تجربة شخصية، عندما كنت مديرا لإحدى المدارس الرسمية حيث لمست أن الطلاب العاديين لا يتجاوبون مع زملائهم من ذوي الإعاقات، بينما اليوم ومن خلال مشروع الدمج المدرسي نلمس بأن الطلاب بدأوا يتعاطون بشكل طبيعي، وبالتالي أصبحوا يتقبلون زملائهم بشكل جيد جدا· وإن شاء الله في الأيام المقبلة بعد أن يكون الأساتذة قد أتموا دوراتهم التدريبية سنتمكن من إنجاح مشروع الدمج أكثر فأكثر· وصدقيني أنني شخصيا أولي بدوري هذا الموضوع كل اهتمام لما له من تأثير في مستقبل أبنائنا من ذوي الإحتياجات الخاصة>·

المشروع يشمل مختلف الإعاقات وعما إذا كان باستطاعة كل ذوي الإحتياجات الخاصة الإنضمام لمشروع الدمج هذا، يقول الجمل: <إن هذا المشروع يشمل كل أصحاب ذوي الإحتياجات الخاصة، وبالتالي مختلف الإعاقات سواء كانت جسدية أو فكرية· وفي هذا الإطار لا بد أن أعود فأذكر أن هذا الموضوع أوليناه اهتمامنا منذ ما يقارب الثلاث سنوات لأن الدولة اللبنانية ووزارة التربية قدّما يومها اهتماما خاصا لهؤلاء الطلاب ذوي الإحتياجات الخاصة فخصص لهم مركزا خاصا ليقدموا فيه إمتحاناتهم الرسمية· ونحن في منطقة بيروت التربوية أنشأنا في الطابق السابع مركزا خاصا للإمتحانات الرسمية، وذلك في عهد وزيرة التربية يومها بهية الحريري، بدأنا به بـ 50 تلميذا واليوم يقدم فيه ما يفوق الـ 200 تلميذ، وذلك من مختلف ذوي الإحتياجات الخاصة من الصم والمكفوفين والبكم···

مركز خاص للطلاب المصابين بالأمراض السرطانية كذلك أنشانا مركزا خاصا للطلاب المصابين بأمراض سرطانية بالقرب من الجامعة الأميركية في بيروت حيث يقدم فيه هؤلاء الطلاب المرضى إمتحاناتهم الرسمية·وهكذا تستطيعين أن تلحظي مدى الإهتمام الذي توليه وزارة التربية مجتمعة لأصحاب ذوي الإحتياجات الخاصة، وطبعا هذه ليست سوى البداية لأنه ما يزال في جعبتنا الكثير الكثير لنقدمه لأبنائنا من ذوي الإحتياجات الخاصة ونحن في هذا المجال لن نوفر جهدا·

وفي هذا المجال، إسمحي لي أن أحيي مؤسسات الرعاية الإجتماعية على إطلاقها المناهج المتخصصة بالمتأخرين ذهنيا التي عملت عليها خلال 3 سنوات بهدف تنويع أساليب التأهيل والتعليم والتدريس بما يتماشى مع خصوصية المتاخرين ذهنيا· وطبعا هذه المسألة ليست غير اعتيادية على <مؤسسات الرعاية> التي دأبت منذ ما يناهز الـ 40 عاما على تسخير جهودها في سبيل خدمة الإنسانية جمعاء>·

ونحن بدورنا نتمنى دوما أن تتضافر الجهود ما بين وزارة التربية والتعليم العالي وما بين المؤسسات والجمعيات لما فيه صالح أصحاب ذوي الإحتياجات الخاصة والمتأخرين ذهنيا·

السابق
تهريب وتزوير الأدوية والمستحضرات الطبية
التالي
نتنياهو.. مدرسة الموت