تهريب وتزوير الأدوية والمستحضرات الطبية

علة التهريب على اطلاقه، ليست في ذاته ولا في المهربين، لكنها في اولئك الذين يتعاملون بشراء مع البضاعة المهربة، فلو لم يجد المهربون زبائن لبضائعهم المهربة، لكسدت هذه البضاعة، وتوقفت اعمال التهريب، واضطر المهربون للبحث عن عمل آخر غير التهريب، لكن ليس بالضرورة ان يكون عملاً شريفاً، ما دامت ضمائرهم من حيث المبدأ «انضربت» وقبلت لهم ان يمارسوا عمليات التهريب مع ما فيها من آثار سلبية تنعكس ليس على الدولة فحسب، بل ايضاً على المواطن، الذي قد يقع ضحية بضاعة مهربة «مضروبة» هي الأخرى.

ويصبح الأمر اكثر اذى تسببه الضمائر الفاسدة، حين تأتي عمليات التهريب، مقرونة احياناً بالتزوير، على الادوية التي تتعلق بحياة المريض عبر شفائه، او موته، عبر مضاعفات تناول دواء مزور او مهرب لأسباب عدم قبوله رسمياً لأنه لم يستوف شروط المداواة والوصول الى شفاء اكيد، هنا تصبح الجريمة التي يرتكبها المهرب وصنوه المزور مزدوجة ذلك لانها اولاً استغلت مواطناً محتاجاً، ثم تجاوزت تشريعات الدولة التي تحذر من التزوير والتهريب على اطلاقه، وهي اكثر شدة وصرامة حين يتعلق الامر بالأمن الدوائي للوطن، الذي تعتدي عليه اعمال تهريب وتزوير الادوية.

وعلى الرغم من صعوبة النجاح في اعمال التهريب، فان تسويق البضاعة يفترض الا يكون سهلاً، الا ان هذه الاشكالية ليست واردة عندنا، ولعل هذا يعود الى اسباب تزايد اعداد معدومي الضمير من مروجي هذه البضاعة المهربة، وحين تكون هذه البضاعة ادوية مزورة او مهربة، يأتي موت الضمير عند فئة تفترض انها النموذج في النبل الاخلاقي والصفاء والنقاء القيمي بحيث تتحصن عند هؤلاء القيم والاخلاق خلف جدران المهمة النبيلة التي تصدوا لها في شقاء الاجسام المريضة، التي تطمئن الى احكامهم في ما يقدمونه لها من ترياق لا يمكن ان يخطر بالبال انه مزور.

لا تفتأ مؤسسة الغذاء والدواء، تعلن عن «ضبط» كميات من الادوية المزورة او المهربة، ومع هذا «الضبط» يتم القبض على مهربين ومزورين، ويوقع القضاء عليهم ما يستحقونه من عقوبة السجن، ونظن ان السوق قد خلي من هؤلاء المهربين والمزورين، الا اننا لا نلبث ان نقرأ عن «ضبط» جديد و»قبض» على مهربين ومزورين جدد، وكأنّ هناك نبعاً يزود السوق باستمرار بأعداد منهم، ولعل اسباب ذلك تعود الى «موقف المواطن» كما اسلفنا، فهو حين يبتاع بضاعة مهربة او مزورة، يساهم في ولادة مهربين ومزورين جدد حين يرون ان سوق التهريب والتزوير رائجة.

السابق
سباق بين جلسة بري وحكومة ميقاتي
التالي
مؤسسات الرعاية الإجتماعية تطلق مناهج للمتأخرين ذهنياً