في الجنوب الحق مش عالطليان

منذ أن وصلت الكتيبة الإيطالية للمشاركة في قوات اليونيفيل المعززة عام 2006، تمكّنت قيادتها من نسج علاقات جيّدة مع سكان منطقة انتشارها. فـ«الطليان» تأقلموا سريعاً مع عادات الجنوبيين. ربما يفسر ذلك التعاطف الذي لقيه الإيطاليون من السكان
«ما بيستاهلوا الطليان». شعور اكتنف نفوس الكثيرين من لبنانيي منطقة القرار 1701 إثر استهداف آلية تابعة للوحدة الإيطالية العاملة ضمن اليونيفيل مساء الجمعة الفائت عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا. في جنوبي الليطاني، يميز السكان بين دولة وأخرى من المشاركين في قوات اليونيفيل تبعاً لعوامل مختلفة، بدءاً بأدائها الميداني وحجم خدماتها وأشكال دعمها وصولاً الى سياسة بلادها تجاه القضايا الوطنية والإقليمية. من هنا، يحظى الإيطاليون بـ«معزة» خاصة في منطقة انتشارهم في القطاع الغربي، أي بلدات قضاء صور وبلديات قضاء بنت جبيل المحاذية لها.

هنا، يسود نوع من الحرج لتزامن الاستهداف مع اليوم العالمي لحفظة السلام التابعين للأمم المتحدة ومنهم جنود وحدات اليونيفيل الخمس والثلاثين، التي تعد أكبرها الوحدة الايطالية التي التحقت بجنوب لبنان بموجب القرار 1701 في عام 2006، فيما كانت إيطاليا منذ عام 1978 مسؤولة عن النقل الجوي في قوات الطوارئ. وقبل ساعات قليلة من الحادث، وقف القائم بأعمال القائد العام لليونيفيل العميد سانتي بونفانتي الى جانب ممثل الجيش اللبناني، ليشيد «بقوات حفظ السلام، رجالاً ونساءً، مدنيين وعسكريين، أنتم من تعملون بتفانٍ، بلا كلل وبشجاعة في كل يوم».

ومنذ وقوع الانفجار، تلقّى مكتب قائد اليونيفيل الجنرال ألبرتو أسارتا عشرات الاتصالات المستنكرة والمتضامنة من رؤساء البلديات والفعاليات والجمعيات. كذلك الأمر بالنسبة إلى الوحدة الايطالية التي تلقّت اتصالات وزيارات بمكاتبها المختلفة وفروعها في مواقع شمع ومعركة والمنصوري. وتوالت الوفود إلى مستشفى حمود الجامعي في صيدا حيث لا يزال الجنود الستة الإيطاليون الذين أصيبوا في التفجير، يتلقّون علاجهم. واللافت، أن الجندي الذي ترواح حالته في مرحلة الخطر، يحظى باهتمام تفصيلي من الكثيرين في المنطقة الذين نسجوا علاقات صداقة مع الكتيبة الإيطالية، حتى إن بعضهم عرض التبرع بالدم له ولسائر رفاقه إذا استدعت الحاجة.

تخطّى الإيطاليون بالذات الحالة العدائية مع الجنوبيين. فقد قلّت الى حدّ كبير الإشكالات التي كانت تحصل بعد عام 2006 مع الأهالي على خلفية تصوير جنود لمنشآت ومنازل وأنحاء مختلفة من البلدات الواقعة في نطاقهم، أو تسيير دوريات مكثفة في الشوارع الفرعية والضيّقة فيها، ما كان يثير امتعاض السكان. ومن الأسباب التي أدّت الى التوتّر بين الطرفين تعقب الجنود لصيادي الطيور الذين ينتشرون في الأودية وخراج البلدات، وإصرار الجنود على توقيفهم وتسليمهم الى الجيش اللبناني تنفيذاً للقرار 1701 الذي يمنع الصيد في منطقة جنوبي الليطاني.

العلاقة تحسنت كثيراً، لا سيما مع البلديات التابعة لحزب الله، ليس لأن الجنوبيين تغيّروا، بل لأن الايطاليين استوعبوا التقاليد والعادات الخاصة بالمنطقة من جهة، ولأنهم يبدون تساهلاً في تطبيق القرار 1701 وأوامر قيادة اليونيفيل، بحسب البعض. ويبقى لزواج عدد من الجنود الإيطاليين بفتيات لبنانيات وقع آخر حيث سجل زواج ايطالي ـــــ لبناني في بلدات مثل معركة ورميش ودبل.

إضافة إلى ذلك، تخصص الحكومة الإيطالية لكتيبة بلادها العاملة في جنوب لبنان مبلغ ستة ملايين يورو سنوياً، يُستَخدَم في مشاريع تنموية صغيرة، كتعبيد طرق وتجهيز مستوصفات ومراكز للدفاع المدني ومدارس، والترويج للأنشطة الرياضية وصيانة بعض شبكات الصرف الصحي ودعم المواقع الأثرية الرومانية في مدينة صور.

على صعيد التحقيقات بشأن عملية التفجير، نفت مصادر مقربة من اليونيفيل والقوى الأمنية اللبنانية أن «تكون قد وصلت الى شيء ملموس أو إلى توقيف مشتبه فيهم متورطين في التفجير»، واصفة ما يجري من تكنهات وتحاليل حول الجهة الفاعلة ودوافعها بـ«الخبصة المؤقتة التي ستهدأ بعد فترة». إلى ذلك، أكد الناطق الرسمي باسم اليونيفيل نيراج سينغ في تصريح إعلامي أمس أن «التحقيقات تسير بنحو جيّد، وأن اختصاصيي الطب الشرعي وفرق التحقيق في اليونيفيل يعملون في تعاون وثيق مع نظرائهم في الجيش اللبناني لتحديد كل الحقائق والظروف المحيطة بالحادث».

لكن ما اهتم به الكثيرون أكثر، هو اللقاءات التي عقدها أسارتا مع المسؤولين اللبنانيين والفاعليات الجنوبية لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحادث. وقد بدأت منذ صباح أمس، بوادر الأوامر الجديدة التي أعطاها لقواته بالعودة الى الوضع الطبيعي من خلال الدوريات الاعتيادية التي استؤنفت في مناطق انتشار الوحدات المختلفة. لكن ما استجد هو الإجراءات الأمنية الأكثر تشدداً من السابق، والتي تمثلت بتقوية جهاز التشويش على اجهزة الاتصالات والراديو وبمواكبة من الجيش اللبناني.

التفجير الرابع من نوعه ضد اليونيفيل، أثار تساؤلات لدى البعض حول مسؤولية ومهمات مكتب الامن في قيادة اليونيفيل وسائر الوحدات الامنية التابعة لكل وحدة، وعمّا إذا كان يُعدّ مقصراً في اكتشاف الخطر المحدق باليونيفيل في ظل الحديث الدائم عن تهديدات تطالها، ولا سيما بعد اغتيال زعيم القاعدة اسامة بن لادن وفي ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المتوترة في لبنان والمنطقة. لكنّ البعض لم يوفر طرح تساؤلات حول مدى فاعلية المكتب المكلّف بجمع المعلومات المرتبطة بأمن الموظفين والجنود العاملين تحت راية الامم المتحدة في الجنوب وحمايتهم، ومسؤوليته الجزئية في منع تكرار حوادث مشابهة في المستقبل، علماً بأن المكتب الذي كان يتألف من موظف واحد قبل تعزيز عديد اليونيفيل بعد عدوان 2006، صار بعد القرار 1701 يتألف من اكثر من مئة موظف تؤثر معلوماتهم على مسار القوات بكاملها.

السابق
بري: إذا لم يكتمل نصاب الجلسة العامة فسأدعو الى غيرها
التالي
تقشف وزارة الشؤون الاجتماعية