الديموقراطية العرجاء

الديموقراطية التي تعني حكم الشعب أو مشاركته في الحكم من خلال برلمان يمثله أخذت في الحسبان أن يمتلك الشعب أيضا مقومات هذه المشاركة، وأهمها الوعي وصوابية التشخيص وتحديد المصلحة من المفسدة.
وبالطبع يفترض أن مسارات التغيير في الحياة السياسية تبقى مفتوحة على كل الأزمنة لتغير متطلبات الحكم ورؤاه، وتطور الرؤية السياسية نحو الحكم الأمثل والأصلح يوما بعد يوم، وهو أيضا ما يتطلب مواكبة دائمة من قبل حتى الخبراء، سواء التنظيريون، أو أصحاب التجربة السياسية العريقة.

ولعل أسبقية الكويت في المنطقة في التجربة الديموقراطية يفترض أن ترشد من التجربة وتدفعها نحو مزيد من التقدم والتطور في الفهم والممارسة للديموقراطية نفسها، وللحكم الأمثل الذي عليه أن يتواكب دوما مع متطلبات العصر ورشد الدولة بمكوناتها.

إلا ان الواقع يعكس حقيقة مغايرة، فمن يقارن بين الممارسة الديموقراطية في السنوات التي سبقت الغزو العراقي للكويت، وبين تلك التي تلتها قد يلحظ تراجع الممارسة الديموقراطية بشكل لافت وتحول الفهم لها من وسيلة لتصويب الحكومة وتشريع ما فيه منفعة للشعب، إلى أداة طيعة يتم استغلالها لتنفيذ أجندات تخدم مصالح متفرقة قائمة على أساس العصبيات بكل مصاديقها، وقليل جدا من أصر على مواصلة فهمه للديموقراطية على أنها أداة تطوير للوطن وخدمة للمواطن.

وتراجعت التجربة أكثر فأكثر عندما تحول المجلس إلى منصة للاقتتال المذهبي، وتحول الدين أداة في أيدي هؤلاء يتم استخدامها فعليا كأفيون يخدر عقول الناس نتيجة تبعيتهم وتعصبهم ليس للوطن، وإنما تعصب أقل ما يمكن وصفه أنه تعصب الجاهلية الأولى.

وأهم ما يمكن قوله في زمن إرادة التغيير أن الجيل الجديد يمتلك وعيا وإرادة للاصلاح، يحتاجان فقط إلى ترشيد نتيجة قلة الخبرة والممارسة.
ورغم اننا نعيش عصر التحولات الديموقراطية في المنطقة، ويفترض أن نستغل هذه التحولات بطريقة حضارية تتناسب وتجربتنا العريقة والسباقة، ونقوم بترشيد الجيل الشاب الثائر ضد الفساد والمفسدين، إلا أنه كعادة هؤلاء يتم استغلال هذه الإرادة البناءة وتجييرها باتجاه آخر بعيد عن الاولويات التي فعليا من خلالها يمكن أن يتحقق الاصلاح.

فكثرة الصراخ من دون وجود مشروع حقيقي ورؤية واضحة للاصلاح على أساس منهجي يكون فيه الوطن هو المرجعية في تشخيص المصلحة من المفسدة، لن يجدي بل سيكون له أثر في الهدم لا البناء، وهو ما يتطلب فعليا وقفة ممن يحمل هم هذا الوطن وهم المواطن حتى يحرر الديموقراطية من سراقها الجدد.

السابق
كادا يتضاربان
التالي
التعليم العالي سلعة أم خدمة عامة؟