اللواء: من فضيحة الإتصالات إلى تفجير اليونيفل أجراس الخطر تُقرَع

مُحزن جداً واقع الإنهيار المتمادي الذي يضرب مؤسسات الدولة، ويهدّد بتقويض إداراتها الرسمية··،
مُقلق جداً هذا التسيّب المتزايد في إدارة شؤون البلاد والعباد، والذي يطاول دور السلطة الشرعية ومسؤوليتها الوطنية في الحفاظ على النظام العام··،

ومُخجل جداً هذا الانقسام اللامبالي بمصالح الوطن، والمُستهتِر بمستقبل ومصير المواطنين، بحجة الدفاع عن حقوقهم ومناطقهم وطوائفهم··! لم يكن اللبنانيون بحاجة لانتظار <فضيحة مبنى الإتصالات> ليُدركوا حجم المخاطر المُحدقة بالبلد، نتيجة هذا الصراع المحتدم على الحقائب والحصص والمكاسب في الحكومة العتيدة، والذي أدّى ليس إلى تأخير وعرقلة تأليف الحكومة وحسب، بل وإلى تعطيل الحركة الاقتصادية، وتعطيب مصالح الناس، وكشف عجز الأكثرية الجديدة عن تشكيل حكومة تُوحي بالثقة للبنانيين، وتكون قادرة على النهوض بمسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة·

لقد أسقطت هذه الفضيحة المدوّية ورقة التوت الأخيرة عن عورات الدولة المُنقسمة على نفسها، بسبب هذا الانقسام السياسي والوطني الذي يتخبّط فيه لبنان منذ سنوات، دون أن يتلمّس طريق الخروج منه بأسرع ما يُمكن، وبأقل ما يُمكن من خسائر!

وجاء التفجير الخبيث الذي استهدف قافلة الجنود الإيطاليين العاملين مع قوات اليونيفل، ليصبّ زيت العجز والتسيّب على نار الإنقسامات الداخلية، وعلى تردّي أحوال الدولة، في ظل الفراغ الحكومي، والغياب المستمر لمجلس النواب، وافتقاد التواصل بين مرجعيات الحل والربط في البلد·

وبعيداً عن السجالات السفسطائية حول ملابسات فضيحة مبنى الإتصالات، ومعرفة الدوافع الحقيقية وراء مغامرة وزير الإتصالات الأخيرة، وبغضّ النظر عن تضارب التحليلات حول هوية الرسالة النارية لليونيفل وأصحابها وأهدافها، تبعاً للإنقسامات السياسية السائدة بين جماعتي 8 و14 آذار،

فقد كان من المُفترض أن تؤدي هاتين الحادثتين إلى حالة استنفار في الوسط السياسي، وظهور دعوات من أهل العقل والحكمة، على ندرتهم هذه الأيام، لتجاوز الإنقسامات الحالية، والبحث عن صِيَغ حلول تكفل إخراج البلاد والعباد من دوامة الشلل والضياع الراهنة، وتعمل على تحصين البلد من تداعيات موجات الغضب والتغيير التي تُلهب أجواء المنطقة، وتُنبئ بمرحلة حرجة من عدم الاستقرار في الدول التي كانت حتى الأمس القريب مثالاً للأمن والإستقرار لا بوادر الإنهيارات السياسية والإقتصادية والأمنية في الداخل، ولا تصاعد حركات الإحتجاجات والإنتفاضات حولنا، من سوريا إلى ليبيا واليمن، بعد تونس ومصر، وانعكاساتها المختلفة على الوضع اللبناني، خاصة بالنسبة لما يجري في سوريا، كل ذلك لم يدفع أحد من الأطراف السياسية لطرح مبادرة تكسر الجمود الحالي، وتُمهّد لعودة الحياة إلى الحركة السياسية!

لعلّ المشكلة الحقيقية مع الطبقة السياسية الحالية أن أقطابها اعتادوا على رمي مشاكلهم في ملاعب الأشقاء والأصدقاء، الذين كانوا يسارعون دائماً إلى بذل وساطاتهم للملمة الوضع اللبناني، والحؤول دون وصول التصدّع الداخلي إلى هاوية الإنهيار·

هذا الكلام كان يُجسّد واقعاً ملموساً بالأمس القريب، عندما كان الأشقاء العرب خاصة، متفرغين لمعالجة <العبث اللبناني> في <مسلسل الصراعات> التي ما أن تنتهي حلقة منه حتى تتبعها أخرى أشد تشابكاً وأكثر تعقيداً·

ومثل هذا الكلام كان يصح أيضاً عندما كان الوطن الصغير يحتل أولوية مميّزة في أجندة الأشقاء والأصدقاء على السواء· ويبدو أن العديد من السياسيين اللبنانيين لم يُدركوا بعد أن سلّم الأولويات قد تغيّر، وأن الملف اللبناني لم يعد أولوية إزاء تفجّر الثورات الحالية في زمن الربيع العربي، واندلاع الاشتباكات الدموية في أكثر من بلد عربي·

فهل يُعقل أن يستسلم السياسيون اللبنانيون أمام خلافاتهم المُزمنة، وأن يُسلِّموا بعجزهم عن معالجة مشاكلهم، وأن يعترفوا بعدم قدرتهم على استنباط الحلول لأزماتهم، بعدما أمعنوا في قطع شرايين التواصل والتشاور بينهم، وفشلوا في الجلوس، مرة أخرى، حول طاولة الحوار للبحث عن القواسم التي تجمع، والصِيَغ التي تقرِّب، وعن الأهداف التي تُعيد رأب الصدع وتوحيد الصف!

لقد أثبتت التجارب سقوط الإدعاءات الفارغة بقدرة أي فريق، حتى ولو ادّعى حصوله على الأكثرية، على التفرّد بإدارة شؤون البلد، فكيف إذا كانت الأكثرية الحالية بمثل ما هي عليه من الهشاشة والإهتزاز ·

وأكدت الأزمات والمحن التي دفع اللبنانيون أثمانها الغالية من دمائهم وأمنهم واستقرارهم، عدم قدرة أي طرف على إلغاء الآخر، وعدم استطاعة أية طائفة على إلغاء أخرى، مهما بلغت قوّة هذا الطرف عسكرياً أو تنظيمياً أو مالياً، ومهما وصل تعداد الطوائف الكبرى، وتضاءل عدد الطوائف الأخرى·

لقد أصبحت هذه الحقائق بمثابة وقائع راسخة في المسار اللبناني، ودخلت تجاربها ونتائجها في صُلب المعادلة الوطنية اللبنانية، التي أرساها اتفاق الطائف، والدستور المنبثق عنه، على توازنات دقيقة أدّى اختلالها في السنوات الأخيرة إلى هذا الاعتلال المستمر للأداء السياسي، ومضاعفاته السلبية على الدولة، وعلى الوطن، وعلى الشعب اللبناني المـظلوم بإدارته السياسية·

من فضيحة الإتصالات إلى تفجير اليونيفل أجراس الخطر تُقرع وتصمّ آذان الناس·· وأهل السياسة لاهون ولاهثون وراء الحصص والمغانم على طريقة النقاش البيزنطي: ملائكة لبنان ذكورٌ أم إناثٌ··؟!!

السابق
اللواء: جلسة عاصفة للجنة الإتصالات والأولوية لتحقيق محايد
التالي
السياسة: تفاقم أزمة “الاتصالات” وسط مخاوف من الفوضى