خطاب نصرالله يثبت المرحلة العالقة

يثقل الوضع الاقليمي على لبنان على نحو بات معه ثابتا عدم القدرة على المضي قدماً في تأليف الحكومة وفق ما بدت الخلاصة الواضحة من كلام الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي أكد ما كان أصبح معروفاً على نطاق واسع منذ بعض الوقت. اذ بدت الامور عالقة عند عدم إمكان التخلي عن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، على رغم اعتبار انه يتعرض مع رئيس الجمهورية لضغوط اميركية، لكن أي بديل منه لن يكون متاحاً أو ممكناً تأمينه في ظل الظروف المحلية والاقليمية. وأي محاولة للانتقال الى خيارات بديلة تحتاج الى توافقات إقليمية غير متاحة على اكثر من مستوى. كما ان الامور عالقة عند عدم القدرة على التخلي عن الحلفاء أي عن العماد ميشال عون على رغم طلباته الكثيرة. والاكثرية الجديدة لا يمكنها ان تستمر في التخلي عن ميقاتي فيما عون يؤمن للحزب الشركة التي لا يمكنه المخاطرة بتضييعها او اضعافها. ولذلك فان مضمون خطاب السيد نصرالله لم يقارب التوقعات الكبيرة حوله. وقد خلّف انطباعاً أنه لولا المناسبة التي تشكلها ذكرى التحرير لما كان رأى الحزب ملائماً الكلام في هذه المرحلة، ولو أنه يعتبر ان من واجبه ان يتحدث عن النظام السوري باعتبار انه كان منتظراً منذ بعض الوقت ان يعلن الحزب موقفه من التطورات السورية في حين يدرك الجميع ان الموضوع السوري يثقل بقوة على الحزب ويتسبب بإحراج للبنان ككل ولأطراف أساسيين فيه على أكثر من مستوى. أما الموقف من سلاحه ومن الولايات المتحدة واسرائيل فهو من مرتكزات أي خطاب ولا جديد في هذا الشأن.

وقد فهم من كلامه انه يتعين على اللبنانيين التعايش مع الامر الواقع لمدة طويلة غير منظورة يراها مراقبون كثر محكومة بجملة أمور تشكل بعض التطورات الداخلية وتعقيداتها واجهة قوية لها، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، ان الوضع الحالي الملتبس لا يسمح بوضع موضوع الحكومة في الواجهة بحيث تشكل عنواناً سهلاً للضغوط في اتجاه الداخل اللبناني كما في اتجاه سوريا. ويدخل في هذا الاطار عدم العمل على القيام بأي ضغط من أجل تأليف الحكومة التي يمكن ان تشكل مخاطرة في حال تمت موازنة كلفة الضغط من أجل حكومة مقابل المخاطر التي يمكن ان تأتي منها. والمراوحة يمكن تفسيرها عاملاً ضرورياً نظراً الى ما يعتبر انه استهداف لسوريا من خلال الخطوات او الاجراءات ضد القيادة السياسية السورية وكل المحيطين بها في ظل تزايد او تصاعد لهذه الاجراءات، خصوصاً مع احتمال صدور قرار عن مجلس الأمن يضغط في الاتجاه نفسه مما يسبب إرباكاً أكثر للحكومة في حال تشكيلها، الى جانب ما يعتبر الحزب انه مستهدف به من الخارج في حين ان لا حكومة يمكن ان تؤمن شرعية له، ولا كذلك طاولة حوار كانت تشكل غطاء محتملاً يرد عن الحزب الضغوط الخارجية. ولذلك تبدو المراوحة بحكومة تصريف الاعمال من جهة وبحكومة قيد التأليف أقل كلفة. وحين يتحدث السيد نصرالله عن ضغوط أميركية على الرئيس ميشال سليمان والرئيس ميقاتي قبل التأليف، فإنما يعني ذلك هشاشة كبيرة في مضمونها وتركيبتها وشكوكاً في إمكان صمودها.

وتساهم بعض التطورات الداخلية، وفق بعض المتابعين، في إعطاء ذرائع قوية لهذه المماطلة، من بينها انفجار الخلاف على نحو سلبي بين قادة الطائفة السنية ورئيس التيار العوني العماد ميشال عون على نحو لا يقتصر على المواقف التي أعلنت في اليومين الأخيرين وخصوصا تلك التي عبر عنها مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. ويمتد هذا التوتر ليؤثر في شكل أساسي على العلاقة بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وعون أيضاً علماً ان الخلافات بين الأخيرين في الاسابيع الاخيرة على خلفيات الطلبات للعماد عون سابقة للموقف الذي تسبب بتسعير الامور بين دار الافتاء والزعيم المسيحي. وهذه المسألة تكتسب خطورة في ظل ازدياد الشرخ على أكثر من مستوى مع الاتهامات التي تساق على خلفية الاتهامات بمسؤولية ما، في أحداث سوريا أو حماية النازحين السوريين وما الى ذلك الى الحد الذي يخشى معه تعقيد الأمور أكثر على الساحة الداخلية وخلفيتها الاقليمية أيضاً.

وفيما يبدو موضوع الحكومة عالقاً عند عدم القدرة على العودة عنه أو على التقدم فيه، فإن اتساعاً يبدو أكبر في المواقف بين الرئيس المكلف الذي يقول معنيون في الاكثرية الجديدة انه طوّر موقفه تحت وطأة متابعته لتطورات المنطقة بحيث ما كان صائباً أو ممكناً قبل أربعة أشهر لم يعد متاحاً راهناً، وفق ما يظهر في مواقفه المعلنة، ومواقف "حزب الله" الذي أظهر علناً وفق مضمون خطاب السيد نصرالله ان الحزب لم يغادر مقاربته للأمور على وقع التطورات الجارية. علماً ان الحزب، وفق عارفيه، لديه قراءة عميقة وجدية لما يجري من حوله لكن أي استخلاصات لا تبدو واضحة حتى الآن ما دامت الامور في طور التطور والتحرك خصوصاً ان موضوع النظام السوري يشكل ثابتة بالنسبة إليه ويحرجه الموضوع على مستوى النظام والشعب على حد سواء.

السابق
الاخبار: الحريري يطلب محاكمة نحّاس
التالي
إسرائيل الكبرى، أميركا الصغرى … والثورة العربية