الديموقراطية العربية

للديموقراطية مفهوم موحد، من ارتضاه كان ديموقراطياً صرفاً، ومن تخلى عن بعضه أو كله فلا يجب ان يقول أو يدعي انه ديموقراطي. مفهوم الديموقراطية يحتم على من ارتضاه ان يرتضي بأن يدين هو بدين وأهل بيته بغيره، فتكون أنت مسلما وابنك مسيحيا وزوجتك يهودية، وأخوك يدين بدين آخر غير الأديان الثلاثة، فهل أنت ديموقراطي؟ وهل تقبل بهذا؟!
الديموقراطية تحتم عليك ان يخالفك ابنك في الرأي ويجادلك ويحاورك، ويفعل ما يرغب فيه ويلتحق بنوع التعليم الذي يرغبه هو وليس ما ترغبه أنت، ويتزوج بالفتاة التي يحبها فهل تقبل بهذا؟ الديموقراطية تحتم عليك ان ترتبط ابنتك بمن تحب وليس بمن تريد أنت، فهل تقبل بهذا؟
تلك هي أسس الديموقراطية التي تنطلق من البيت من المحيط العائلي، فالديموقراطية هي حرية العقل والفكر والعقيدة، والإنسان خلق متحررا بالفطرة طليقا منذ الصرخة الأولى، ومن ثم يخطو الابن، الذي شب على هذه المبادئ، خطى واسعة باتجاه الديموقراطية، فتخلق بذلك المجتمعات الديموقراطية الواعية التي تتقبل الآخر بغض النظر عن عقيدته ومذهبه.
وفي محيط المجتمعات العربية التي تعاني أزمة قلبية ديموقراطية، فهي تنادي بالديموقراطية وتدعي بانها تمارس الديموقراطية، وفي الوقت نفسه لا تفعل ولا تمارس أي مبدأ من مبادئ الديموقراطية، فتلك الشعوب تريد ان تطبق النظم الإسلامية، ومع هذا لا تتيح حرية تبديل العقيدة لأفرادها، مما يخلق تناقضا واضحا ما بين مبادئ الديموقراطية والنظم الإسلامية المتبعة.
لهذا كانت العلمانية هي أنسب النظم لتلك المجتمعات التي يحيا بين جنباتها كل الأديان وشتى صنوف البشر، فالعلمانية تتيح لك ان تكون مسلما أو مسيحياً أو يهودياً أو بغير دين. العلمانية هي أنسب النظم لمجتمعاتنا التي تتخبط ما بين هذا وذاك فكانت كمن رقص على السلم فلا ديموقراطية حقق، ولا نظما ثابتة لحق، وقد كتبت قبلا العديد من المقالات التي تتحدث عن العلمانية ومفهومها الواسع، وبينت كيف هي ملائمة لمجتمعاتنا العربية الغائبة والجاهلة بديموقراطية العالم، والتي تمارس ديموقراطية من نوع آخر اسمها الديموقراطية العربية.

السابق
الوطن: زوجان يقرّان بالتآمر لتمويل حزب الله
التالي
الراي: لبنان يتجه لـ “التعايش” مع مرحلة انتقالية طويلة من دون حكومة