الـ 1701 وقرار فرانسين

هل أطلقت زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا جيفري فيلتمان العدّ العكسي لسلسلة تطورات دراماتيكية قد تشهدها المنطقة، بدءا من تحديد مصير الثورات العربية المحيطة بلبنان، مرورا بتشكيل الحكومة المؤجلة منذ أكثر من أربعة أشهر، وصولا إلى صدور القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والمرتقب صدوره في الأسابيع القليلة المقبلة. والثابت أن زيارة فيلتمان، والتي تزامنت وبصدفة غريبة مع زيارة معاون وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني، حرّكت الساحة اللبنانية الراكدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأعادت الدينامية إلى الطبقة السياسية المنقسمة بين أكثرية جديدة منشغلة بالحصص الوزارية، وأقلية متابعة بقلق وتوتّر مسار "الانتفاضة" في سوريا. ومع أنّ محادثات فيلتمان اليوم ليست مشابهة لمحادثاته بالأمس في بيروت، والتي نضحت بها وثائق "ويكيليكس"، فإن غالبية الذين التقاهم يجمعون على أن العودة الأميركية لم تأتِ من باب الفراغ الحكومي وتغيير المعادلة السياسية الداخلية، بل من باب الحدود الشمالية، كما الجنوبية للبنان، التي استقطبت اهتمام الخارجية الأميركية، نظرا لمحورية العاصمة اللبنانية في تحوّل مسار المواجهة الفلسطينية مع إسرائيل، انطلاقا من الجولان وجنوب لبنان أولا، وللدور الذي قد تلعبه الساحة اللبنانية فيما لو تحوّلت عملية نزوح المواطنين السوريين إلى مشكلة سورية ـ لبنانية قد تنتج عنها تداعيات خطيرة، من بينها ما يتمّ التداول به من معلومات عن احتمال عودة عسكرية سورية إلى شمال لبنان تحت عنوان "ملاحقة الإرهابيين" ثانيا.

ويرتدي غياب أي تعاط أميركي ديبلوماسي مع الملف اللبناني منذ أكثر من أربعة أشهر، طابع التسليم بالأمر الواقع والانشغال بالثورات العربية. ولكن زيارة فيلتمان خرقت هذا الواقع بقوة، وكشفت عن قرار أميركي بالدخول الميداني على خط ما يجري من تجاذبات إقليمية، تحت ستار تشكيل حكومة "مواجهة" أو حكومة "أمر واقع"، لتكريس معادلة المواجهة الأميركية ـ الإيرانية بشكل خاص، بعدما تحوّل الملف اللبناني إلى الفلك الإيراني بنسبة كبيرة، وهو ما كشفته وقائع الاحتفال بذكرى النكبة يوم الأحد الماضي في مارون الراس، ذلك أن ما حصل من مواجهات بين مدنيين من جهة، والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى بقي غامضا، ولم تتضح صورته الحقيقية، مع أنه أدّى إلى سقوط عشرة شهداء!

وانطلاقا من هذا المشهد، فإن الديبلوماسية الأميركية أعادت رسم حدود القرار 1701 على الأرض ومع المسؤولين اللبنانيين بشكل خاص، وإذا كان الرئيس نبيه بري اعتذر عن استقبال فيلتمان، فقد حرص هذا الاخير، على نقل رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر، مفادها الحذر من انزلاق الجبهة الجنوبية إلى مرحلة فرض أمر واقع جديد، يؤدي إلى إحداث تغيير في روزنامة الأحداث الإقليمية، وفي مقدمها تطورات الوضع في سوريا.

تحذير أميركي جدّي

وتفيد تقارير ديبلوماسية غربية في بيروت أن الموقف الأميركي من الاستحقاق الحكومي معلوم ولم يشهد أي تعديل، وهو ما أكده فيلتمان، أخيرا، في زيارته الأخيرة إلى لبنان قبل صدور القرار الاتهامي، لكن ما لم يقله الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه حول وضع المنطقة، عبّر عنه فيلتمان في زيارته لبيروت، حيث نبّه إلى خطورة انتقال كرة النار من سوريا إلى لبنان، خصوصا إذا ما اتخذت الأحداث في دمشق مسارا مختلفا، وشهد الموقف الدولي تحوّلا نوعيا إزاءها. وبالتالي، فإن جملة التحذيرات الأميركية إلى لبنان ركّزت على وجوب النأي بالساحة الداخلية عن المحيط الإقليمي، والانصراف إلى استباق واحتواء أي تطوّرات محتملة بعد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك في لحظة عربية مشتعلة وقد تصيب نارها الحدود اللبنانية بشكل خاص، لأنّ هذا الامتداد يساهم في تنفيس الاحتقان على غير جبهة في المنطقة.

السابق
ما لا يفهمه نتنياهو!
التالي
السياسة: تشكيل الحكومة اللبنانية معلق بانتظار انجلاء التطورات في سورية