السلطة

يروي صديق كان في أولى حكومات صدام حسين أنه طوال حكم أحمد حسن البكر كان صدام يحضر المؤتمرات الوزارية مصغيا لا يتحدث، وسائلا لا مجيبا. وفي أول جلسة كرئيس للدولة تكلم طوال الوقت ولم يصغ، ولم يترك أحدا يسأل. وكذلك في الجلسة التالية، وفي كل ما أعقب وما تلا.

لا ندري ماذا تفعل السلطة بالناس. يروي الدكتور سعد الدين إبراهيم، العائد أخيرا إلى مصر بعد فرار طويل من مطاردة النظام السابق، أنه عندما كان أستاذا في الجامعة أمضى ستة أشهر لا يعرف أن سوزان ثابت هي زوجة نائب الرئيس، حسني مبارك، ولم يعرف بذلك إلا عندما انتقد الرئيس أنور السادات، فما كان منها إلا أن خرجت من الصف احتجاجا. وعندما سأل عن السبب قالت له إحدى رفيقاتها: لأن زوجها هو نائب الرئيس.

ويقول إبراهيم لـ«روز اليوسف» إنه في وقت من الأوقات كان جمال وعلاء وسوزان مبارك طلابا عاديين في الجامعة مرة واحدة. وفي تلك المرحلة قدمته السيدة إلى زوجها، فصار أشبه بمستشار للعائلة. ويقول إنه وجد في نائب الرئيس رجلا متواضعا ومحبا للاطلاع، أما الرئيس حسني مبارك، فقد سجنه وأبعده ونفاه عندما كتب مقالا عن التوريث. وروى الدكتور جلال أمين قبل سنوات أنه ظل لا يدعى إلى لقاء الأدباء مع الرئيس حتى شعر بالضيق. وأخيرا تلقى الدعوة، فذهب وهو ينوي أن يحدّث الرئيس في بعض الأمور، لكنه اكتشف أن أحدا لا يقترب من الرجل سوى وزير الثقافة ورجال الأمن، أما الدعوة إلى «حضور» اللقاء فتعني، حرفيا، الحضور، لا أكثر، وإلى الموعد التالي.

يحافظ الرؤساء في الغرب على صداقات الماضي وعلاقاته، لسبب بسيط؛ فهم سيعودون مواطنين عاديين بعد حين. وقد يخضعون للمحاكمة، كما حدث مع جاك شيراك، لكن في العالم الثالث يضمن الرئيس حصانته حتى الموت، ثم يعين من يضمنها له بعد الموت أيضا. لذلك، لم يجد الرئيس مبارك ضيرا في أن يودع مئات الملايين باسمه في مصر. ولا اهتم ابن معمر القذافي بدفع مليون دولار لمغنية أميركية لقاء نصف ساعة، من أموال الجماهيرية الاشتراكية.

في بلادنا يختلف القانون تماما باختلاف موقعك منه: هل أنت صاحبه أم ضحيته؟ استقال دومينيك ستروس – كان من رئاسة البنك الدولي بسبب تحرشه بعاملة فندق من غينيا. وعندما اتهم نجل الأخ القائد بإساءة معاملة خادمته وخادمه، أعلن الأخ العقيد الجهاد على سويسرا، ودعا إلى تفكيك وحدتها، وقرر سحب أرصدته من بنوكها، واعتقل رجلي أعمال سويسريين في طرابلس ستة أشهر بتهمة مخالفة قوانين الإقامة، في بلد يقيم فيه مليون أفريقي بلا هويات.
ليس الغرب عالم القانون المثالي، لكنه على الأقل عالم المحاسبة. عالم يعرف فيه صاحب الدولة أنها لو دامت لغيره لما وصلت إليه.

السابق
لماذا يتفرج العرب؟
التالي
دوريات إسرائيلية على طول الحدود