لماذا يقيم سعد الحريري خارج لبنان؟

"لا يريد الرئيس سعد الحريري أن يُحسَب له أو عليه شيء في موضوع التطورات التي تشهدها سوريا، لذلك قرر أن يكون بعيداً عنها مكانياً وموقفاً، وفي بلاد يمكنه أن يتابع منها أوضاع لبنان والمنطقة ويطلع على تفاصيل الإتصالات الدولية والإقليمية وما يجري في الكبيرة والصغيرة. وليست هناك دولة افضل من المملكة العربية السعودية للإقامة فيها موقتاً بسبب من تلبيتها هذه الشروط. فالمملكة دولة محورية في المنطقة، ثم إن عائلته تقيم فيها. والحقيقة أنه منذ اغتيال والده قبل 6 أعوام لم يُمضِ مع أفراد العائلة مدة طويلة نسبياً ومن غير انقطاع. كان يزورهم ليوم أو يومين كلما سنحت له الفرصة لئلا يكون غائباً عنهم كلياً، ولم تتح له المسؤوليات الضخمة التي تحملها أن يعيش معهم حياة طبيعية ويستمع إليهم ويحادثهم كأب وزوج. ثم إن الوضع السياسي في لبنان ثابت، والمشكلات على أنواعها تراوح مكانها منذ إسقاط حكومة الوحدة الوطنية وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي الذي يدور في دوامة التأليف منذ نحو أربعة أشهر، وسيظل يدور فيها أقله على المدى المنظور. هذا ما أعرفه، وكل ما يُقال ويُشاع عن أسباب أخرى مضخّم و"مبَهَّر" بالتعبير العامي. أقرأ أحياناً أخباراً عن هذا الموضوع تحملني على الابتسام، وأسمع في صالونات سياسية أحاديث عن أسباب أمنية. في رأيي أن من يكتبون ويتحدثون أصحاب مخيّلة واسعة وبعضهم لا يدري شيئاً عما يكتب ويتحدث. لا أنفي أن شركة "سعودي أوجيه" عرفت سوء إدارة، ولكن ليس مشكلات مالية. قد يكون الرئيس الحريري استغل فرصة وجوده في السعودية لإجراء ترتيبات داخلية إدارية في الشركة الضخمة، هذا شيء والحديث الخرافي عن إهدارات أو خسائر بمئات الملايين أو مليارات الدولارات شيء آخر. الناس باتوا يستسهلون الحديث عن المليارات ، ينسون أن مليار دولار يساوي مليون مليون. أي شركة في العالم تظل واقفة على رجليها إذا خسرت مليار دولار؟".

المتحدث سياسي قريب من رئيس حكومة تصريف الأعمال، وكان قريباً ايضاً من والده الرئيس الشهيد. ينتقل إلى الحديث عن المحاولات الجارية لتأليف الحكومة وفي اعتقاده أن الرئيس نجيب ميقاتي "أخطأ الحساب من الأساس. كان يظن أن في استطاعته تدوير الزوايا واكتشف مع تطور الأحداث والتعقيدات في الداخل والخارج أنه لا يستطيع أن يرضي حلفاءه الجدد ولا حليفه الدائم الذي هو جيبه. يريد ميقاتي في نهاية الأمر تأليف حكومة لا يبدي الأميركيون أي ملاحظة عليها، ويرضى بها جميع افرقاء 8 آذار في وقت واحد. هذه صعبة".

يوافق سياسيون من حلفاء الحريري وخصومه على أن الرجل آخر همه إنقاذ ميقاتي من ورطته، لذلك لا يبدي أي اهتمام لدى سؤاله مباشرة أو بالواسطة عما إذا كان مستعداً لإعطاء حكومة تكنوقراط مفترضة ثقة كتلته النيابية. يقول أحدهم إن ميقاتي بات يفكر أحياناً في مخرج يحفظ له ماء الوجه لا أكثر، لكنه يقرّ بأن ثمة أحداثاً وتطورات خطرة تستوجب أحياناً أن يكون رئيس الحكومة في لبنان – وإن تكن حكومته لتصريف الأعمال – كي يعالج الأوضاع عن قرب، ويعطي مثالاً ما شهدته الحدود الشمالية والجنوبية في يوم واحد من توترات الأحد الماضي. ويقول آخر وهو ديبلوماسي سابق إن الحريري لا يزال لا يعترف بحق ميقاتي في ترؤس الحكومة، لكنه يحمل رئيس الحكومة المكلف تبعة عدم التجرؤ على حكومة تضم كباراً من كل طائفة يغطون وزراء أقل منهم شأناً. ويضيف أنه لو كان مكان ميقاتي لشكّل حكومة تضع الجميع أمام أمر واقع، فتضم من الموارنة النائب سامي الجميّل وكتائبياً آخر غير معلن أو قريباً من الكتائب "وليزعل الجنرال ميشال عون فإرضاؤه ممكن بتوزير من يريدهم"، ومن الشيعة الرئيس حسين الحسيني، ومن الروم الكاثوليك السفير فؤاد الترك، وهكذا… لكن ميقاتي حذر لا يترك مكاناً للجرأة في حركته السياسية، يقول السياسي الأقرب إلى 8 آذار. ويضيف هامساً أن الوضع في سوريا سيضغط على لبنان سواء تمكن الرئيس بشار الأسد من استعادة السيطرة تماماً على مجريات الأمور في بلاده أو سارت الأوضاع في اتجاهات مأسوية.

إلا أن سياسيا آخر بارزاً في 14 آذار يرى الوضع من منظار أبعد وأكبر: "ما يحصل في المنطقة أقرب ما يكون إلى مرحلة تفكك الإمبراطورية العثمانية ونشوء أوضاع مختلفة جذرياً في العالم العربي. المسألة أكبر وأهم من لبنان وعملية تأليف الحكومة فيه. فلنبقِ عيوننا على سوريا".

السابق
النهار: الرئاستان الأولى والثالثة تستقبلان فيلتمان… أما الثانية فـ”خارج المدينة”
التالي
السفير: فيلتمان للأكثرية الجديدة: شكراً على الفراغ