أوباما: القائد العربي؟

في خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما ما يكشف الارباك الذي تعيشه العديد من الأنظمة والأحزاب القومية والإسلامية في العالم العربي. الفضيحة هي في ان الخطاب الذي وجهه اوباما الى دول الشرق الاوسط بدا متقدما في محاكاة تطلعات شعوب المنطقة ومتفوقا على خطابي "الممانعة" و"الاعتدال" فيها. هذا مع التسليم بأن الادارة الاميركية ورئيسها يحاولان استكمال عملية الهيمنة والسيطرة على هذه المنطقة المستمرة منذ عقود، ومع التشديد على حقيقة التزام هذه الادارة بوجود اسرائيل وامنها.
إلا أنّ ذلك كله لا يلغي حقيقة ان الادارة الاميركية، منذ ثورتي تونس ومصر، تحاول ان تتفاعل مع التحولات وان تلتقط نبض الثورات العربية الديمقراطية، في سبيل حماية مصالحها الحيوية بالمنطقة، ذلك بما يتفوق على مواقف الانظمة العربية والعديد من تياراتها السياسية التي بدت في احسن الاحوال مربكة، ان لم نقل مستاءة من هذا التغيير.

ويستحضر هذان المشهدان بشكل سريع ما جرى في العراق قبل وخلال وبعد الحرب العراقية – الايرانية، حين كانت الدول العربية، وغيرها من الاحزاب القومية والاسلامية، صامتة وغير مبالية بسلوك نظام الرئيس صدام حسين اتجاه شعبه، والذي عبّر عن نزعة تسلطية واستبدادية لا يمكن لأحد تجاهلها، لكن تم تجاهلها، وتأييدها في غالب الاحيان، تحت ذريعة "حماية البوابة الشرقية" او مواجهة العدو الخارجي.

جرت الاستهانة بالمواطن العراقي، اعتقادا من البعض ان الاستبداد مسألة هامشية امام "الشعارات الكبرى". لكن اثبتت الوقائع ان هذه الاستهانة بالحقوق الطبيعية والسياسية للمجتمع، والسكوت عنها، اتاحا للقوى الغربية فرصة النفاد والتدخل بعدما صمّ العرب آذانهم عن اصوات الاستغاثة الطالعة من فرط الالم لدى الشعوب المسحوقة.

والحق يقال ان مواجهة الاستبداد والدعوة الى اعتماد الديمقراطية واطلاق الحريات بعد ذلك، شكلت عناوين ثابتة في ادبيات ومبررات انطلاق العديد من قوى الممانعة والمقاومة، لكنها في الممارسة لم تشكل معيارا اساسيا للتعاون او تأييد نظام سياسي او مواجهته.

فهناك تجارب جبهوية إنضوت تحت عنوان "المؤتمر القومي الاسلامي"، أو "مؤتمر الاحزاب العربية"، وقبل ذلك "المؤتمر القومي العربي"، إستمرت في التشديد على مسألة إطلاق الحريات كشرط لأيّ نهوض عربي، لكنها في الممارسة بدت في كثير من الاحيان تحت تأثير خطاب واحد للممانعة والمقاومة، ذلك الذي لم يعر اهتماما لموضوعة الديمقراطية. خطاب لم يستطع ان يتقبل او يعطي شرعية لأي صوت سوري معارض.
والى هذه التجارب العربية من خارج النظام بدت الحكومات العربية متفقة في وجهيها (الممانع او المعتدل) على مقاومة اي عملية تحول نحو الديمقراطية. ومع انفجار الثورة في تونس، ثم في مصر، تجلّت الغربة لدى الانظمة والعديد من الاحزاب والقوى في العالم العربي عن هموم المواطن العربي وتطلّعاته، وظهر ذلك في حال الارباك والضياع، والتقلبات في مواقف العديد منها في احسن الاحوال.

ولا شكّ أنّ ما يجري في سورية كان السبب، لذلك تصاعدت وتيرة اتهام الخارج عموما بافتعال الازمات والتخريب، فيما آخرون ادركوا ان غياب الحريات وتهميش المطالب الديمقراطية هو العلة الاساس التي تمهد الطريق أمام علل أخرى.
في دورة "المؤتمر القومي الاسلامي" الاخيرة مثلا، التي انعقدت في بيروت الشهر المنصرم طلب منظمو المؤتمر موعدا للقاء الرئيس السوري بشار الاسد، ومهدوا لهذا الطلب بأن ضمّنوا بيانهم الختامي موقفا متضامنا مع المواقف القومية للنظام السوري… لم يستجب الاسد الى طلبهم بسبب "انهماكه بالوضع الداخلي" كما قيل. ويجب الاشارة في هذا السياق الى ان هذه القوى، مجتمعة، وبعضها منفردا، وخلال السنوات الماضية، لطالما نصحت القيادة السورية بضرورة اتخاذ خطوات سياسية تساهم في تحصينها من المخاطر. لكن دمشق لم تستجب ولم تعر اهتماما لمثل هذه النصائح، واستمرت في ابعاد المعارضين وسجن بعضهم.

في المسألة السورية اليوم لا يمكن تغييب قضية الحريات والديمقراطية. فقد أقرّ النظام الممانع بضرورتها، وادرك الجميع انها باتت ملحة وليست قابلة للتأجيل. أما احالة ما يجري الى "مؤامرة خارجية"، فهذا ليس جديدا في الخطاب السوري الذي عودنا دائما على انه عرضة لهذه المؤامرة منذ قيامه، لا بل المنطقة كلها كانت عرضة لمؤامرة. لكن المؤامرة ايضا لا يمكن ان تواجه، بطبيعة الحال، عبر تأبيد الديكتاتوريات.
فهل من يتقدم اليوم ليلتقط "ما تريده الشعوب"، قبل ان يفتقد خطاب المقاومة والممانعة معناه نهائيا؟

السابق
موسى: الحراك على الصعيد الحكومي متوقف حاليا
التالي
الشيخ العيلاني :لن نسمح بتحويل الصراع إلى فلسطيني إسرائيلي