اختراق الحدود

ما بدا أنه مفاجأة مذهلة هزت كيان اسرائيل، كان بمثابة تقدير استخباراتي إسرائيلي عادي، وضعت خطط عديدة لمواجهته، لكنها لم تنفذ.. فكان يوم النكبة مشهوداً، ويوم العودة مرتقباً.
في حساب الاسرائيليين انه سيأتي يوم يقرر فيه اللاجئون الفلسطينيون الزحف السلمي على الحدود والسعي الى تحطيمها واختراقها الى الداخل المحرم عليهم منذ قيام دولة اسرائيل، والسعي الى فرض الامر الواقع بجميع اشكال القوة غير السلاح التقليدي الذي كان حتى الأمس القريب الوسيلة الوحيدة لتحقيق مثل هذه العودة.. قبل ان تصبح المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي البديل والوحيد.

وهو حساب اسرائيلي وارد منذ زمن بعيد، تسنده حقيقة ان الصراع العسكري بلغ مراحله الختامية التي لم تجد نفعاً، ولم يبق امام الفلسطينيين والعرب عموماً سوى سلاح التوازن الديموغرافي الذي يميل لمصلحتهم بشكل حاسم، ويمهد لتحول اليهود في دولتهم نفسها الى اقلية في فترة لا تتجاوز العقدين. وهو ما سيكون بمثابة يوم القيامة بالنسبة الى اسرائيل، التي لن يكون بمقدورها أن تغلق حدودها امام مئات الآلاف او حتى الآلاف المتقدمين من مختلف دول الطوق في اتجاه ارض ميعادهم، كما لن تستطيع ان تستخدم القوة لوقف هذا الزحف البشري الهائل، الذي قد لا تردعه مذابح يسقط فيها العشرات او حتى المئات من العائدين الفلسطينيين.. غير المسجلين اليوم.

كانت هذه هي احدى الفرضيات الاسرائيلية البعيدة، التي جرى تقديم موعدها بعد اندلاع الثورات العربية التي شعر الاسرائيليون انها ستشكل حافزاً للفلسطينيين لكي يتحدوا واقعهم ويقرروا إعلان ثورتهم الشعبية والسلمية على طغاتهم. وهو ما حصل بالفعل، وكان يوم النكبة هو موعد النداء للتجمع والتقدم نحو حدود الدولة اليهودية.. وموعد الاختراق الشعبي الاول من نوعه لتلك الحدود من الجانب السوري والوصول الى تل ابيب من دون اي عقبات تذكر، ومن دون أي مخاطر تحظر تكرار المحاولة في المستقبل، او تشبه المحظورات التي لا تزال قائمة على الجانب اللبناني، والتي أدت الى حصول مذبحة حقيقية، يبدي الجميع قدراً استثنائياً من التسامح ازاءها.
المحاولة الفلسطينية المقبلة للعودة الشعبية السلمية صارت حتمية، ومتلاحقة، وهي ان لم تكن نتيجة قرار حكومات دول الطوق العربية بالتخفف من العبء الفلسطيني على ما هو الامل في لبنان والاردن خاصة او بالشغب على الموقف الاسرائيلي على ما هو الحال في سوريا ومصر، فإنها ستكون على الارجح نتيجة تحلل السلطة المركزية في الدول الاربع المحيطة باسرائيل وانهماكها بمشكلاتها الداخلية التي تمنعها من ان تكون حرس حدود الدولة اليهودية، او ان تكون حائلاً دون راغبين
بالعودة السلمية الى ارض وطنهم.

هو خيار مثالي، بين استحالتين: المقاومة التي تكاد تصبح ذكرى، والمفاوضة التي لا يمكن ان تحفظ ذاكرة. قد تكون الصدف التاريخية هي التي ساهمت في ابتكار هذا الاسلوب، لكنه ربما يؤسس للحل النهائي البعيد لقضية فلسطين.

السابق
هل يترحّمون على حسني مبارك؟
التالي
الطيران الاسرائيلي اخترق الأجواء أمس