أنا لبناني إذن أنا صالح

أن تكون مواطناً لبنانياً وصالحاً أيضاً.. تلك هي المسألة.
هذا الأمر يترتب عليه الكثير. يعني أن تكون واحداً من الكلّ الذي يشكل المجتمع بدوره ويؤسس لقيام دولة لائقة معترف بها في المنظومة الكونية. أن تكون لبنانياً، يشبه من الناحية الشكلية أن تكون هي فرنسية، وهو أميركي، وآخر سوداني، وأخرى فيليبينية. يبقى أن تسأل وتستكشف تلك النواحي الضمنية. لا تتساءل، ولا تشغل بالك بالبحث الالكتروني عن حقوق وواجبات الدولة تجاه المواطن والعكس في كل دول العالم. لن تجد شبيهاً لبلدك. وهذا جميل بالمبدأ، يعني أنك فريد من نوعك. وإن اختلفت النظم والقوانين من دولة إلى أخرى باختلاف الحضارات والبيئات فإنها ولا بد أن تتلاقى ضمن خطوط عريضة لها. ولكن الحديث عن هذا الأمر لا يبدو منطقياً أو واقعياً أمام وضعك أنت باعتبارك مواطناً لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات.
يصعب عليك التأقلم مع القانون بشكل عام. تتحسس منه. مشكلتك معه تاريخية. هو موجود وموثّق ضمن نشاطات حياتك اليومية. ينهاك عن أشياء، يقرّ بعقوبتك في حال اختراقك لأحد نظمه، ينصّ على أشياء وأشياء ترعى مصالحك ومصالح الوطن وتؤمن العيش بسلام وأمان. والأمثلة على ذلك لا حصر لها. وأنت بالتأكيد تذوقت شيئاً من نار عقوبتها (المقدور عليها في هذا البلد). بالتأكيد حصلت على "ضبط" مخالفة لسبب من الأسباب. نعلم أنك صالح. تتعاون مع مجلس البناية التي تسكنها على أرض شرعية وبقانون إيجار حديث ومنظم، لا تسرق (الكهرباء والماء من ضمن المسروقات أيضاً)، لا تقتل، لا تعتدي، وغيرها.. ولكنك من المؤكد أنك خضت تجربة الـ"ضبط". تقر بأنك مخطئ بتجاوز السرعة مثلا، وتدفع المترتب عليك انطلاقاً من وعد أخذته على نفسك بأن تكون… صالحاً.

القانون أيضاً يفرض عقوبات على البناء على أرض مشاع للدولة، كما يفرض الحصول على ترخيص للبناء. جميلة تلك الفقرة تحديداً. ويُترك للمواطن حق اختيار المكان المناسب لبناء منزل أحلامه أو محل عمله. هو يختار أرض الدولة. ربما حاول الحصول على قرض لتقسيط إحدى الشقق وفشل نظراً للغلاء الخيالي للأسعار في حال وجدت الشقة أصلاً. وربما لم يحاول أصلاً، فأخذ بنصيحة الجار أو القريب بعد نجاح الأخير في البناء من دون أي عناء أو تعب. وعلى مبدأ "إسأل مجرب" خاض هذا المواطن التجربة، ونجحت فعلاً. يستفيق القانون في يومه الأمني ويهدم بناء الأول والثاني وسواهما من المئات. ينام طويلا، حتى يكاد ينساه أو يتناساه الناس، ثم يستفيق هكذا فجأة.
يستيقظ المواطن اللبناني على عمليات الهدم. يتفاعل مع الخبر إيجابياً. يطمئن أن القانون يأخذ مجراه. ويسجل عتبه في الوقت نفسه. هو يريده أن يكون حازماً حاسماً في كل وقت ومكان، يسري على الجميع دون تفرقة لأي سبب من الأسباب.
أنت مواطن بلا حكومة. مررت بهذه التجربة أكثر من مرة، ويبدو أنك تعودت عليها من الناحية التقنية. ما زلت تدفع فواتير الكهرباء والماء، بالرغم من الفراغ الوزاري وعدم تلبية الوزارات المعنية لأي من حاجاتك وحقوقك بحجة أن صلاحيتها انتهت، ويجب عليك انتظار ولادة الحكومة الجديدة. أما هي فعليها أن تستوجب حقوقها كاملة حتى تلك الفترة. تطالبك بدفع فواتيرك من الكهرباء والماء والهاتف الأرضي منه والخلوي. لا يهم إن كانت الشبكة رديئة في معظم الأحيان أو انك تتحدث مع غريب ما في حال طلبت الوالدة على الهاتف. تخسر بعض الدولارات، نوبة تعب اعتيادية باتت يومية تقريباً، تلعن الدولة والخدمة والحقوق والواجبات. تدخل في مساجلات عميقة وعقيمة مع الأصدقاء والأقارب، عن حقوقك كمواطن وواجباتها هي كـ.. دولة.
تعاني ارتفاع الأسعار؟ ارتفاع سعر صفيحة البنزين أسبوعا بعد أسبوع؟ يويو غير شرعي وغير مسلٍّ يتلاعب بك صعوداً وصعوداً. والحكومة منتهية الصلاحية. أما أنت وباعتبارك مواطناً لبنانياً صالحاً ترفض التلاعب على القانون. مثال يحتذى به.

غيرك نفسه ضعيفة، أمام خط كهرباء من هنا، أرض مشاع من هناك، بضائع مهربة، قوانين سير.. وغيرها. فالقانون على علمك وعلمهم في سبات عميق كالأميرة النائمة. ولكن انتبه عزيزي المخالف، ففي أي لحظة يأتي الأمير ويقبل الأميرة على فمها فتستيقظ من جديد. يستفيق القانون بكامل نشاطه ليلزم الجميع بالعيش تحت جناحه. يستيقظ لأيام قليلة ثم يغرق مجددا في النوم.
أن تكون مواطناً لبنانياً تلك مسألة، وأن تكون صالحاً أيضاً فتلك هي المعضلة. العيش في المجتمع يحتاج إلى سقف يحميه ويحرص على سلامة من يعيش داخله، لذلك أوجد الإنسان القوانين. أوجدها لترعى مصلحته كواحد من مجموع الشعب.
لكن الشعب والقانون أيضاً في الحالة اللبنانية "سويعاتي".

السابق
نقابة السوق دعت الى التجمع والاعتصام في ساحة رياض الصلح غدا
التالي
عرقجي انتقد زيارة فيلتمان لبيروت