الصهيونية في زمن الربيع العربي

لم يكن بالإمكان لنظام عنصري فاقع لونه، كالنظام الصهيوني أن يستمر بالحياة إلا لأن حكومات جيرانه العرب كانت أكثر منه سوءاً، وقمعاً، واستلاباً.
ذكرى النكبة هذه المرة جاءت بمذاق مختلف، لا علاقة له بما تربينا عليه من خداع واستغلال وارتكاب الآثام بحق الشعوب، باسم فلسطين وتحريرها، حكومات تفننت في استخدام مقولات، على طريقة حق أريد به باطل، لكي تفقأ عيون ناسها ومواطنيها، ولتطأ أحذية حكامها كرامة الإنسان العربي، ومن ثم تتحول تلك الأنظمة إلى دجل في النهار، وحفلات زار بالليل، تنتهي بطولها وبعرضها بكسر الإنسان العربي وإرعابه وإخافته.

في أواخر القرن الماضي ظلت دولتان عنصريتان على قيد الحياة، هما جنوب إفريقيا وإسرائيل. كانت استمراريتهما سُبّة في حق البشرية وبالذات للدول الغربية كالولايات المتحدة وأوروبا التي دعمت النظامين بكل الوسائل. صحيح أن العنصرية موجودة في العديد من دول العالم، بما في ذلك دول تدعي أنها إسلامية، إلا أن ما هو موجود في الدولتين كان نظاما عنصريا وترسانة قانونية تمييزية تتفوق على أي دولة أخرى في العالم.

تحرك العالم من كل اتجاه حتى أصبحت تكلفة الدفاع عن النظام العنصري في جنوب إفريقيا عالية جدا، فكان أن تخلى عنها العالم الغربي شيئا فشيئا، ومن ثم بدأت مفاوضات دي كليرك مع نلسون مانديلا في سجنه، وبالتالي كانت البداية لنهاية ذلك النظام، ومن ثم أصبح مانديلا أول رئيس لدولة جنوب إفريقيا الجديدة الطامحة إلى السلطة والعدالة.

لم يتبق لدينا الآن إلا إسرائيل، التي باتت تعيش في أصعب مراحلها. وهي لن يتسنى لها الحياة بعنصريتها بين الأمم، بل سيأتي زمن قريب تكون فيه عارا ووبالا على من يدعمها، وستكون كلفة الدفاع عنها أكبر بكثير من كلفة التخلي عنها.
هل هذه مجرد أمنيات؟ ليس كذلك. هاكم الحقائق على الأرض.

الثورات والانتفاضات والحراك الشعبي العربي خلقت واقعا جديدا ضاغطا على إسرائيل، وسيكون الكابوس المزعج لإسرائيل هو تحول الدول العربية إلى الديمقراطية، ومصر تغيرت إلى غير رجعة، حماس وفتح دخلتا في اتفاق استراتيجي، الحراك الشعبي العربي يتصاعد ولا يجمد، والجمعية العامة للأمم المتحدة ستنظر في طلب إنشاء دولة فلسطين في سبتمبر القادم. أما إسرائيل فإنها تتجه يمينا وتصبح أكثر عنصرية، ويتولى أمرها نتنياهو وايفغدور ليبرمان و»إسرائيل بيتنا»، بل إنها بلغت من شدة التطرف لدرجة أن نتنياهو أصبح يعتبر من المعتدلين.

الانتفاضة الأولى نجحت بسبب سلميتها وصمودها وحجارتها، وعندما ظن البعض أن السلاح غير المتكافئ قادر على تحقيق النتائج وتحييد إسرائيل، تحول ذلك السلاح إلى قتل الفلسطينيين بعضهم بعضا، وها نحن نستوعب وندرك قوة النضال السلمي.
لن يقضي أحد على إسرائيل، بل إن إسرائيل بعنصريتها، وصلفها، هي التي ستقضي على نفسها، ولعلها قد تغرق في بحر الثورة العربية السلمية الإنسانية، التي ستلتهم العنصرية والصهيونية التهاما لن تحسب له حسابا.

السابق
حوري: الأمور عادت إلى نقطة الصفر
التالي
نزوع الشعوب للحرية والعدالة