القمة الروحية في بكركي:”بيان أجهض بيان”!

على رغم البيان المضاد من المجلس الشيعي الاعلى، الذي اجهض بيان بكركي، قد تكون الرسالة شبه الوحيدة والثابتة والصارخة من على درج بكركي، هي تلك المتعلقة بالأزمة الوزارية التي تحولت الى أزمة حكم، وأدخلت لبنان في نفق مجهول، وحوّلته الى عدم الاستقرار شأنه شأن بعض الدول العربية التي تتخبط في صراعاتها الداخلية، وإن تنوعت العناوين في بيروت، كما في اليمن او في ليبيا او سوريا. فالتركيز المقصود على التعطيل الحكومي والفراغ الهائل على الصعيد الرسمي مؤشر على خطورة الوضع الراهن، لكنه لا يلغي في الوقت نفسه وجوب الالتفات الى أزمات اخرى تهدد الوطن وشعبه.

لكن زعماء الطوائف الروحيين، وليس السياسيين الذين شكّل اجتماعهم بالأمس في بكركي خرقا للاصطفافات المحلية، في لحظة عربية بالغة الدقة والحرج والخطورة، وجدوا انفسهم، ومن دون قصد، في مواجهة المعضلة التي عجز قادة الاكثرية الجديدة، كما حلفاؤهم الإقليميين على تسويتها، وهي توزيع الوزارات على الكتل النيابية التي التقت اخيرا على الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري للمجيء بحكومة لا تحمل اسم الوفاق الوطني، ووعدت باستبدالها بفريق متجانس يحمل مشروعا سياسيا واقتصاديا مضادا لمشروع فريق 14 آذار.

ووسط القلق على بصيص التفاؤل الذي برز في الساعات الماضية، أبدت مصادر كنسية تقديرا كبيرا لخطوة رجال الدين المسيحيين والمسلمين ومبادرتهم الى الالتقاء في البطريركية المارونية لنقل الصورة الحقيقية للشارع اللبناني، وهي ان المواطنين اللبنانيين في ضفّة، والسياسيين في ضفة اخرى، بدليل حوار المسؤولين الروحيين، بغض النظر عن الخلافات السياسية.

ولاحظت ان القمة بحد ذاتها تعطي دفعا قويا للوحدة الوطنية الحقة وتعزّز مناخات العيش المشترك في لبنان، في الوقت الذي تستعِر فيه الخلافات الطائفية والمذهبية في منطقة الشرق الاوسط، وتكرّس التزام اللبنانيين بثقافة الحوار.

ومن شأن هذه الرسالة ان تعيد رسم المشهد الداخلي بعيدا عن التشنجات السياسية والأزمات الاجتماعية، لأن ثروة لبنان هي هذا التعايش المسيحي – الاسلامي، ولا وجوب للقلق حول هذه المعادلة، على رغم كل ما يُثار ويطرح عن مشاريع فتنة طائفية ومذهبية، هي غير موجودة الا في بعض العقول، لانها العائق الوحيد أمام بناء الدولة واستعادة لبنان الحقبة السابقة، وهي: لبنان الحوار وتعايش الاديان والثقافات. انطلاقا من هذه القراءة، تندرج صفة الاستثنائية التي طبعت قمة بكركي، نظرا لارتداداتها المتعددة محليا وعربيا، وتأثيرها المباشر في معالجة اسباب قلق الاقليات في مختلف دول المنطقة من مرحلة ما بعد الثورات.

واستغربت مصادر متطابقة، بيان المجلس الشيعي، معتبرة انه في غير محلّه. لأن بيان بكركي يعرف نقاط الخلاف، لكنه يركّز على النقاط المشتركةز وأبدت حزنها على اجهاض بيان مشترك بين الطوائف اللبنانية كان يمكن ان يؤسس لواقع جديد حصين، من شأنه ان يجمع لا أن يفرّق!

السابق
المشاعات، سوليدير، والمسؤولية السياسية
التالي
هكذا هم الأمريكان