تكنولوجيا أميركا في خدمة “الفوضى الخلاقة”

مع تطور وسائل الاتصال الحديثة لم يعد ممكناً إخفاء معلومة واحدة مهما صغرت.. حتى حادث سير في أقصى جنوب وشرق آسيا يتم نقله خلال ثوان.. وهذه من فوائد الثورة التكنولوجية وما حققته من تقدم للبشرية..، والثورة التكنولوجية ليست مقصورة على وسائل الاتصال بل على كل مناحي التطور ومنها الاقتصادي.. وظلالها عمت لتفتتح مشهداً جديداً من المدنية المقرونة بنهضة ثقافية آخذة بيد العقول التواقة لبناء معرفة إنسانية في كثير منها تنأى عن الهيمنة الغربية والأميركية.. وهذا ما نشهده في الصين العملاق والياباني والروسي الذين أسسوا لمفاهيم تكنولوجية اقتصادية أرعبت الغرب ومعه الولايات المتحدة.. وهنا أيضاً دخلت بعض دول أميركا اللاتينية إلى مربع المنافسة الاقتصادية والتطور التكنولوجي بعيداً عن هيمنة أميركا لهذه الواحات.. فالعالم في تطور وسباق مع نفسه ومع كبريات الشركات الأميركية التي تطرح نفسها كلاعب لم يعد وحيداً.

ومبتغى الكلام هنا أن هذا التطور التكنولوجي والسعي الأميركي للتفرد أصبح ضرباً من العبث.. لكن ينبغي أن ندقق أن الولايات المتحدة قد سخرت هذا التطور في فضاء الهيمنة ومد الذراع العسكرية لها في العالم بغية بقائها متحكمة بالقرار الاقتصادي وهي تفشل إلى حد كبير أمام النهوض الاقتصادي العالمي.. ولتخرج من دائرة الخناق الذي يضيق عليها فإنها تطل برأسها متسللة لاقتناص «بروباغاندا» بقاء العالم تحت رهاب «الإرهاب» أو لنقل توسيع دائرة التخويف المضلل لتبقى قادرة على تسويق أفكارها وحماية مصالحها وحلفائها.

فبعد مقتل بن لادن بدأت تظهر أشرطة وتنفخ في بوق «الخطر» القادم وخوفها على الديمقراطية في العالم.. وخشيتها على العراق الذي استباحته وأوغلت حرابها في دم أبنائه.. ورسائلها إلى العالم أن ما يجري في سورية هو انتهاك لحقوق الإنسان..، حيث سخرت من «موقع» الهيمنة التكنولوجية التي تسعى إليها وسائل ضخمة لدعم من تسميهم المعارضين. وحجم ذلك يفوق التوقعات إذ يتبين ومن خلال المتابعة أن حجم من كلفوا من متخصصين في وسائل الاتصالات الحديثة يفوق الآلاف ومنهم من يحمل اختصاصات علمية بغية نشر صور وتقارير وبيانات بلغات عدة لتشويه صورة الحقيقة.. وكذلك غرف عمليات لوجيستية لمد هذه المواقع بمواد يراد منها تضليل الشعوب وحقيقة ما يجري في سورية.

من خلال قراءة متأنية وتحليلية لطبيعة الحملة الإعلامية والسياسية على سورية التي ترتبط في جزء كبير منها مع محطات عالمية وعربية.. نجد ذلك التناغم في الخطاب الإعلامي الذي يكاد يكون واحداً في كثير من الأحيان..، ومن يتابع المحطات الأميركية والصحف فسيجد ذلك دون جهد.. بل إن تسخير وسائل الاتصال المتقدمة لا يقتصر على تشويه الصورة في سورية.. بل اتبعت لدعم أنظمة موالية لواشنطن في العالم.. وهذا يعيدنا إلى دور يد الخراب في جنوب إفريقيا التي انتصرت على حكم الأبارتهايد كمثل على تسخير التكنولوجيا الأميركية هناك لعقود في دعم الأقلية التي رهنت البلاد للإرادة الأميركية. والأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا المجال.

وفي فلسطين كان لواشنطن اليد الطولى في دعم كيان الاغتصاب بأفضل وسائل الاتصال..، وتطوير المنظومات الصهيونية لمواجهة من اغتصبت أرضهم وشردوا إلى أصقاع المعمورة.
ومن واقع الادعاء بالحرص على الشعوب والثورات التي حصلت في العالم العربي تنظر أميركا إلى ما يحصل في سورية على أنه استجابة لما تطرحه من دعوات للديمقراطية وفق ما جاء على لسان أحد المحللين السياسيين في صحيفة «نيويورك تايمز». وبالطبع ترى واشنطن من زاوية هذا المنطق- وإن كانت تخفي ذلك أحياناً أنها معنية في الوضع الداخلي العربي.. وتسعى إلى ترميم مواقعها التي انهارت بعد ما حدث من ثورات في مصر وتونس..، لذا كانت ليبيا مدخلاً للتدخل المباشر_ وتوطيد العلاقات مع المجلس المؤقت في بنغازي. ومن ثم وتلاقياً مع أهدافها تسخر التكنولوجيا «الصورة» ومن جانب واحد لتعرض لنا ما يخدم سياساتها وإستراتيجيتها في المنطقة العربية والإسلامية. وتتقاطع مع من ينفذون هذه المخططات على الأرض عبر مدّهم بكل وسائل التطور. ولنلحظ هنا أن من توفر لهم أميركا هذه الأجواء ومعها بالطبع فرنسا وبريطانيا- منغمسون إلى حد النخاع بمشروعها.. وهم أصلاً بعيدون كل البعد عن الواقع الحقيقي للشعوب العربية وتطلعاتها.

ويبدو أن هناك من يفتتن بأميركا وسياستها المتغولة.. وبالتكنولوجيا التي تُصدر صواريخها لذبح أهل فلسطين الذين تنهش أجسادهم قذائف الديمقراطية- وبعض أنظمة الصمت تفتح البوابات لأميركا ووصفات ديمقراطيتها..، وتردد كلام الناطق الرسمي.. غير ملتفتة إلى أن النفط الذي جاء باليانكي إلى أرضنا يذهب لصناعة الموت والإرهاب في العالم وفي منطقتنا.

لم يعد ممكناً– كما قلنا بداية- أن يخفى أصغر خبر… ولم يعد مستحيلاً أن نكتشف ونقرأ عناوين الإرهاب الأميركي.. والزعم بدعم التواقين للديمقراطية.. فديمقراطية بوش الأب والابن خبرها أهل العراق ولبنان وفلسطين..، وديمقراطية أوباما على أرض فلسطين مجسدة بجدار الموت الصهيوني والاستيطان والتهويد.

هي إذاً تكنولوجيا صناعة الموت والقتل.. وقد خبرنا كغيرنا تلك الصورة البشعة.. ولن تبيضها كل أفلام هوليوود.. فالعالم استيقظ ويصنع ثقافة كونية إنسانية بعيداً عن الكاوبوي ورصاص مسدسه الذي لا يفرغ.

السابق
تأثير مقتل أسامة بن لادن على تنظيم القاعدة
التالي
بداية النهاية لمجلس التعاون الخليجي