من يحمي العمال من مخاطر مهنهم

يتعرّض العمّال لمخاطر صحيّة ونفسيّة عدّة في أثناء قيامهم بمهامهم في مختلف القطاعات. فيتنشّق العاملون في معامل مواد الدهان ومواد التنظيف روائح مضرّة بالصحة، ويزيد غبار الخشب من نسبة الأمراض الصدريّة، ويعتبر معدن الأسبستوس المستخدم في مجال البناء وفي صناعة أنابيب صرف المياه والأدخنة والتهوئة مسبّباً لمرض سرطان الرئة. كما يعاني معظم العاملين من آلام في الظهر والرقبة، حيث يُحرم البعض حتى من كرسيّ للجلوس، ويتعرّض البعض لحالات من التسمّم بسبب غياب الرقابة على مياه الشرب في بعض المصانع والورش… فمن يحمي هؤلاء العمّال من المخاطر الصحيّة الناجمة عن ظروف عملهم؟ ومن المسؤول عن تنفيذ سبل الوقاية من حوادث العمل؟

يلحظ الدستور اللبناني مسألة حماية العامل من الناحية الصحيّة، في المرسوم الرقم 6341 الصادر بتاريخ 24/ 10/ 1951، حيث تنصّ المادة 7 على ضرورة تأمين مياه الشرب للأجراء، وأن يوافق طبيب المؤسّسة على مورد هذه المياه، وتنص المادة 15 على ضرورة قيام أرباب العمل بدفع أجرة أطباء مؤسّساتهم، وتحدّد المادة 16 واجبات طبيب المؤسسة، وتعطي المادة 17 الحقّ لربّ العمل في تعيين طبيب للتدقيق في صحة تقارير الإجازات المرضية.

وينصّ المرسوم الرقم 4568 الصادر بتاريخ 30/6/1960 على ضرورة تعيين طبيب في كلّ من المصالح العامة والمؤسّسات التي تخضع لقوانين العمل من أجل مراقبة حال الأجراء الصحية (وهو يتضمن سبع عشرة مادة تتعلّق جميعها بوجوب تعيين طبيب لكلّ مؤسسة يزيد عدد أجرائها عن عشرين). كما ينصّ المرسوم الرقم 4568/1/ 60 على إعطاء الأفضليّة للأطباء الحائزين على اختصاص في طبّ العمل. ومع ذلك، لا يوجد في لبنان الا أربعة أطباء متخصصين في طب العمل!طب العمليعتبر طبّ العمل اختصاصًا طبيّا محوره صحة العامل أو الأجير، يؤمن إجراء الفحوصات اللازمة قبل انتساب الموظّف إلى المؤسسة، واتخاذ التدابير الوقائيّة الصحيّة اللازمة في أمكنة العمل، ومتابعة الوضع الصحّي للأجراء، ودرس العوامل النفسيّة والإنتاجيّة المؤثّرة على جوّ العمل.

وتؤكّد الاختصاصيّة في طبّ العمل الدكتورة غيتا حيدر أنّ طب العمل هو طبّ وقائي بالدرجة الأولى، يحمي العامل من المخاطر الصحيّة التي قد يتعرّض لها، ويقيه من الحوادث المختلفة التي تنتج عن ظروف العمل. ويحرص طبيب العمل على تطوير ظروف العمل والإنتاج، وعلى التثقيف الصحّي للأجراء، وإجراء الفحوصات الدوريّة للعمّال للحدّ من تطوّر بعض الأمراض وتفادي الأمراض المعديّة وحالات التسمّم.

تضيف حيدر انّه «يتوجب على طبيب العمل تقييم الوضع الصحّي للعامل ومدى ملاءمته مع المسؤولية الموكلة إليه. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لمريض الصرع أن يعمل على علّو مرتفع أو أن يقوم شخص يعاني من فقر في الدمّ بأعمال صعبة في مجال البناء».
وبحسب حيدر، يتولّى طبيب العمل مهمة إعادة تقييم أوضاع الذين أصيبوا بحادث ما، من خلال إيجاد منصب جديد لهم يراعي وضعهم الصحّي المستجدّ ويحميهم من الطرد التعسّفي.

يشرف طبيب العمل عمليّا على تدابير السلامة العامة وشروط الإنارة والتهوئة والنظافة لتخفيف حوادث العمل. فعلى سبيل المثال، يحقّ للخياطين إنارة جيّدة لتفادي أي حادث، ويحقّ للعاملين في مرائب دهن السيارات وضع الأقنعة والنظارات الواقيّة، والعاملين في حفر الطرق استخدام الأجهزة التي تخفّف من مضار الآليات المستعملة على أعصاب اليدين والأذنين.4 أطباء عمل في لبنان!بحسب إحصائيات نقابة الأطباء في لبنان للعام 2011، يبلغ عدد أطباء العمل في لبنان أربعة أطباء. ويشير العدد الضئيل، بحسب نقيب الأطباء البروفسور شرف أبو شرف، إلى «غياب مفهوم طبّ العمل في لبنان، وعدم وجود آليات مشجّعة تدفع بتلميذ الطبّ بعد إنهاء مرحلة الطبّ العام بالتخصّص في طبّ العمل، فمعظم المؤسّسات في لبنان لا تلتزم بتطبيق القانون وبالتعاقد مع طبيب عمل».
ويلفت أبو شرف إلى غياب التوعيّة في المجتمع اللبناني لأهميّة الدور الذي يؤدّيه طبيب العمل في المؤسسات والمصانع، «فالتجارب العالميّة تثبت أنّ متابعة طبيب العمل للأجراء تزيد من إنتاجيتهم، وتحميهم من الأمراض، وبالتالي، تخفّف من نسبة الإجازات المرضيّة، والتكاليف الماديّة التي تصرفها المؤسّسات والدولة في علاج الموظّفين المرضى».

أمّا في لبنان، فيظنّ أرباب العمل أنّ التعاقد مع طبيب عمل لا يشكّل سوى كلفة ماليّة إضافيّة، من دون أن يجرؤ الموظفون على المطالبة بحقوقهم خوفا من خسارة الوظيفة، ولا تعمل الوزارات المعنيّة من وزارة الشؤون الاجتماعيّة ووزارة العمل على تطبيق القوانين والمراسيم الصادرة.

وتشدّد حيدر على «ضرورة مطالبة نقابة العمال في لبنان بهذا الحقّ الذي يحمي العامل من المخاطر الصحيّة والنفسيّة ويقيه من الحوادث على غرار الدول الأجنبيّة». ففي فرنسا قامت النقابات العمّالية برفع دعوى ضدّ طبيب عمل المؤسسة بتهمة التقصير في مهامه وعدم تقييم الحالة النفسيّة لأحد العمال الذي أقدم على الانتحار.

ويحثّ أبو شرف القطاعات والوزارات المعنيّة على «إرساء مفهوم طبّ العمل وتفعيل آلياته لحماية العامل من النواحي الصحيّة والنفسيّة ولتحسين ظروف الإنتاج وشروط العمل».النقابات العمّالية: القوانين لا تطبّقمن جهته، يؤكّد رئيس اتحاد النقابات العمّالية للخدمات العامة في لبنان أنطون أنطون أنّ لجنة الصحة والسلامة المهنيّة في الاتحاد العمالي العام تقوم باجتماعات دوريّة مع وزارة العمل لمناقشة سبل حماية العمال من المخاطر الصحيّة وحوادث العمل، من دون أنّ تترجم تلك النقاشات واقعا ملموسا على الأرض».

ويشرح أنه «من جهة، لا تولي النقابات العمالية في لبنان هذا الشأن الاهتمام الكافي ولا تمارس الضغط لنيل المطالب، ومن جهة أخرى، لا تفرض الدولة اللبنانية تنفيذ القوانين لحماية العامل من المخاطر التي يتعرّض لها».
ويلفت أنطون إلى مشكلة العاملين في ورش البناء الذين لا ينتمون إلى الضمان الاجتماعي وبالتالي لا تتوفّر لهم الخدمات الطبيّة والصحيّة.

أمّا بالنسبة إلى العمال الأجانب، وبالرغم من وجود قانون طوارئ العمل الذي يشمل جميع العاملين على الأرض اللبنانية، فيؤكد أنطون أن القانون لا يطبّق، فالدولة لا تراقب، وهناك غياب لمفتّشي وزارة العمل ولآليات حماية العاملين الأجانب من المخاطر الصحيّة وحوادث العمل».

السابق
صافرات إنذار إسرائيلية في المطلة
التالي
“الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب”: معاناة سجناء رومية مستمرة