7 أيار: المغامرة أضحت قاتلة!

ثلاث سنوات مضت على 7 أيار 2008. صاحب الذكرى يعتبرها "يوما مجيدا"؛ لولا هذا اليوم لما قامت "تسوية الدوحة"، ولكان وسط بيروت حتى الساعة ساحة عصيان. ولكان "العصاة"، الذين سمّوا أنفسهم "معتصمين"، تملّكوا وسط العاصمة. تدلّ إلى ذلك السرعة في "تأهيل البنى التحتية" لـ"المضارب" المنصوبة يومذاك. ولو تأخرت 7 أيار حتى اليوم، لتحوّل وسط العاصمة مشاعا جديدا يتمدد، كذلك الذي تتصارع الآن القوى الأمنية مع عماراته غير الشرعية في الأوزاعي وصور وسواهما!

تسوية الدوحة، في منطق اصحاب 7 أيار، هي ثمرة استخدام السلاح "خيارا اضطراريا عندما يصبح الخيار السياسي عاجزا عن تحقيق المطالب". وفي هذا المعنى أعطت التسوية 8 آذار ما أراده… ظرفيا. ورفض فريق 14 آذار هذا المنطق، لأنه وجد نفسه أعزل أمام قوة عسكرية هائلة، ولأنه تجنّب دائما وقوع انفجار شامل، له أبعاده الوطنية والمذهبية.

لكن 7 ايار 2008 لم يكن حادثا منفردا أو فريدا في الصراع، بل تحوّل إلى نهج سياسي أمني متكامل له سوابقه واللواحق.

سوابق 7 أيار لا يمكن إحصاؤها. لكن أكثرها وضوحا ما جرى في 23 و25 كانون الثاني 2007، ومواجهات مار مخايل في كانون الثاني 2008. وأما اللواحق فتبدأ بالحروب الصغيرة في زواريب عائشة بكار في حزيران 2009 وبرج أبي حيدر في آب 2010، ولا تنتهي بالإسقاط القسري لاتفاق الدوحة بعد تغيير الأكثرية النيابية "ميدانيا".

"إذا صدر القرار الاتهامي، فستكون هناك 7 أيار كبيرة"، قالها عاصم قانصوه في تشرين الثاني 2010، "ولن تستثني معراب هذه المرة. ومعراب لا تستلزم منا أكثر من ساعتين".

وإكمالا للصورة، جرى تعميم سيناريو عن "محاكاة إلكترونية" للسيطرة على بيروت وطريق الجنوب نفّذها "فصيل أساسي" في المعارضة، أي "حزب الله"، للسيطرة على بيروت وطريق الجنوب عند تحديد الساعة الصفر. ووفقا للسيناريو الذي تم التداول ببعض بنوده نتيجة اجتماعات تنسيقية للفصائل العسكرية في المعارضة، يقوم شباب بالنزول إلى الشارع اعتراضا على القرار الاتهامي، ثم تأخذ الأمور طابع المواجهة مع القوى الأمنية. عندئذ تقوم القوى الحزبية بالسيطرة على الشارع. واللافت أن المرجعيات في المعارضة لم تقم بنفي الكلام المتداول، بل، على العكس من ذلك، أوحت مواقفها أنّ المتوقع سيكون أكبر من ذلك بكثير. فبعضهم تحدث عن إسقاط كامل للدولة في يد المعارضة، وآخر لم يستبعد اندلاع حرب مذهبية.

في هذا السياق لـ"7 أيار" انتقل وليد جنبلاط وآخرون إلى المقلب المقابل. فالمواجهات الدامية التي خاضها في "الجبل الدرزي" ثلاثة أيام، أثبتت له أنه متروك وحيدا أمام مصيره: هو محاصَر داخل جدران النار من الجهات الأربع، في المعنى الجغرافي… وفي المعنى السياسي.

لفد سقط جنبلاط عسكريا قبل أن يسقط سياسيا. وبذلك حصد أبطال 7 أيار ثمار تعبهم، وأسّسوا للانقلاب الكبير، والبرهان أنّ فريق 14 آذار أحرز الغالبية النيابية في الانتخابات التي جرت وفق اتفاق الدوحة، لكنّ هذه الغالبية سرعان ما تبدّلت من دون مبرّر، كما أنّ حكومة سعد الحريري سقطت بـ"الجوكر" المحسوب من حصة رئيس الجمهورية، خلافا لمنطق اتفاق الدوحة. فبات هذا الاتفاق ساقطا أيضا!

نهج 7 أيار هو نهج استعادة ما قبل "الخطأ التاريخي" الذي وقع في العام 2005. وكل "ميني" 7 ايار أمني أو سياسي تم تنفيذه على مدى ست سنوات أو "ماكرو" 7 أيار يجري التهديد بتنفيذه، إنّما الهدف منه تصحيح هذا "الخطأ". ومن أجل ذلك، يستخدم أسلوب "القضم" التدريجي: خذ وطالب! فما هو لنا حق لنا وهو الصحيح والمشروع. وهو لنا وحدنا. وما ليس لنا هو الذي يجب "تصحيحه" حتى يصبح لنا! واتفاق الدوحة الذي كلّف مغامرة عسكرية لإنجازه جرى التهديد لاحقا بمغامرة أكبر منها لإسقاطه.

17 "ميني" 7 أيار جرى تنفيذها في ثلاث سنوات، و70 مرة جرى التلويح بـ7 أيار جديدة. وكما هو المنطق الماكيافيللي في البناء على الأملاك العامة، حيث الغاية تبرّر الوسيلة لدى بعضهم وترفضها لدى بعضهم الآخر، كذلك هو منطق 7 أيار. وعلى طريقة "الرزق السايب"، تصرّفت السلطة إزاء ظاهرة 7 أيار 2008 ومثيلاتها، كما تصرفت في ملف الأملاك العامة، وقدّم فريق 14 آذار تنازلا تلو آخر من دون حساب للثور الأبيض ولا الأسود! وهذا يحمّل السلطة و14 آذار مسؤولية لا يجوز إنكارها أو تبريرها.

اليوم 7 أيار في المأزق، لم يكن أحد ينتظر أن تهتز أرضية المسرح بكاملها، فيما يفتش اللاعبون عن طرائق لتثبيت مواقعهم، وأي محاولة اليوم للعب بالنار على طريقة السنوات الست الفائتة ستكون مغامرة تطيح الجميع بلا استثناء.

والسيناريوهات السابقة للزلزال الشرق أوسطي كلها كانت صالحة لمرحلة انقضت إلى غير رجعة، أيا تكن نهايات هذا الزلزال. وإذا كان "الفريق الواحد" أو الـ"شبه واحد" عاجزا عن إدراك أي حكومة تناسبه في هذا الظرف، فكيف يقدر على إدارة بلد كلبنان أو أكبر من لبنان، كما قيل ذات يوم؟

السابق
اللبنانيون والقلق على سوريا
التالي
“الفيسبوك” في مواجهة الدبابة