وصمة عار في سجل إسرائيل

تبذل حكومة نتنياهو كل ما في وسعها لتأويل مقالة القاضي ريتشارد غولدستون الأخيرة التي نشرتها صحيفة الواشنطن بوست، كتبرير لسلوك إسرائيل في عدوانها على غزة عام 2008-2009، وهو أمر مختلف عما هو معروف. فإحجام إسرائيل عن مواجهة هذا الواقع يجد له انعكاساً في رفضها حتى الآن إجراء تحقيقات ذات مصداقية متعلقة بالانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب التي ارتكبتها في غزة. و مقالة غولدستون لا تعفي إسرائيل من الالتزام بمواصلة هذه التحقيقات.

وكما هو معروف، فقد ترأس غولدستون لجنة الأمم المتحدة التي أصدرت تقريراً مفصلاً ودامغاً عن حرب غزة، ووجد أن القوات الإسرائيلية ارتكبت جرائم حرب. تراجع غولدستون في مقالته عن التهمة المثيرة للجدل بشكل خاص في التقرير، ألا وهي الادعاء بأن إسرائيل لديها سياسة واضحة رفيعة المستوى لاستهداف المدنيين. فهو يقول الآن إن المعلومات التي جاءت من التحقيقات الإسرائيلية تشير إلى أنه لم يتم استهداف المدنيين بشكل متعمد فيما يتعلق بالسياسة .

وقد قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بالتحقيق أيضاً في بعض الحالات التي قامت بها القوات الإسرائيلية بإطلاق النار وقتل المدنيين الفلسطينيين. ففي سبع حالات ، على سبيل المثال، قتلت القوات الإسرائيلية ما مجموعه /11/ من المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يلوحون بأعلام بيضاء للإشارة إلى وضعهم كمدنيين. في ست حالات أخرى ، قام مشغلو الطائرات الإسرائيلية دون طيار بإطلاق النار وقتل ما مجموعه /29/ مدنياً فلسطينياً، بينهم خمسة أطفال، على الرغم من أن تكنولوجيا الطائرات دون طيار توفر القدرة والوقت لتحديد ما إذا كانت الأهداف عسكرية . كانت تلك الحالات مقلقة بشكل عميق، وكذلك محددة جداً، لنخلص إلى أن سوء السلوك من الجنود الأفراد يعكس قرار السياسة الأوسع لاستهداف المدنيين.

لكن غولدستون لم يتراجع عن الحقائق التي أوردها التقرير بأن إسرائيل متورطة في هجمات واسعة النطاق في انتهاك لقوانين الحرب. وشملت هذه الهجمات استخدام إسرائيل العشوائي للمدفعية الثقيلة والفوسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان، والدمار الهائل والمتعمد للمباني المدنية والبنية التحتية دون سبب عسكري مسوغ. وكان سوء السلوك ذاك على نطاق واسع ومنهجي، مما يعكس بوضوح السياسة الإسرائيلية.

ما الذي فعلته إسرائيل لمعالجة هذه الانتهاكات؟.. قامت في الدرجة الأولى، بالتحقيق مع الجنود العاديين بينما تركت كبار ضباط الجيش وصناع القرار دون مساس .
وقد وجد تقرير مؤخر للأمم المتحدة، ذكر في مقالة غولدستون، أن الجيش الإسرائيلي قد درس سلوك الجنود الأفراد في حوالي 400 حالة من سوء التصرف العملي المشار إليه في غزة. لكن التقرير أثار تساؤلات خطيرة حول دقة هذه التحقيقات، عندما دققت منظمة هيومن رايتس ووتش في رد إسرائيل التحقيقي، حيث وجد أن النائب العسكري قد أغلق بعض الحالات التي تشير فيها الأدلة بقوة لانتهاكات قوانين الحرب.

حتى الآن، وجهت النيابة العسكرية الإسرائيلية التهم إلى أربعة جنود فقط وأدانت ثلاثة. وحكم على جندي واحد فقط بعقوبة السجن لمدة سبعة أشهر ونصف لقيامه بسرقة بطاقة ائتمان.
الأهم من ذلك، فشلت إسرائيل في التحقيق بشكل كاف في القرارات السياسية التي تكمن وراء الهجمات واسعة النطاق العشوائية وغير القانونية على قطاع غزة. ومن الواضح أن تلك القرارات الأكثر حساسية تمس كبار المسؤولين، وليس فقط القوات على الأرض.
جزء من المشكلة هو أنه طلب من الجيش أن يقوم هو نفسه بالتحقيق، وهي ليست وسيلة مثالية للوصول إلى الحقيقة. وعلاوة على ذلك، فإن الشخص الذي يقود التحقيقات العسكرية- النيابة العسكرية العامة في إسرائيل – ربما شاركت في قرارات السياسة التي ينبغي التحقيق فيها. لهذا السبب هناك حاجة إلى تحقيق حقيقي مستقل ، كما تطالب جماعات حقوق الإنسان .

إن حرص حكومة نتنياهو على دفن تقرير غولدستون لا يمكن تبريره سوى بحرصها على إخفاء جرائمها، ولكن التقرير سيستمر. حتى بعد مقالة غولدستون، لا يزال التقرير يمثل اتهاماً خطيراً للطريقة التي اختارتها إسرائيل لخوض الحرب في غزة. السؤال المفتوح هو ما إذا كانت إسرائيل ستقوم بالتحقيق بهذه الاتهامات بمصداقية وتقديم المخالفين للعدالة. نعلم جميعاً أنه لا يمكن للأعمال المسرحية التي قامت بها إسرائيل إخفاء الحقيقة.

ترجمة : عناية ناصر- البعث

السابق
هيلين توماس إسكات منتقدي إسرائيل
التالي
إنهيار النظام في سورية يخدم مصالح “إسرائيل”