هيلين توماس إسكات منتقدي إسرائيل

هل تذكرون هيلين توماس؟ ومن منّا لا يتذكرها.. إنها أقدم وأكبر صحفية أمريكية، ومديرة المكتب الصحفي سابقاً في البيت الأبيض، هي التي كانت تفتتح المؤتمرات الصحفية الخاصة بالرئيس الأمريكي وتختتمها قائلة: «شكراً سيدي الرئيس».
هيلين توماس.. كاتبة أمريكية، ومراسلة صحفية في النيوسرفيس، وعضو في المكتب الصحفي الرئاسي، هي التي غطت عهود معظم الرؤساء الأمريكيين، بدءاً من السنوات الأخيرة لإدارة ايزنهاور، وحتى ولاية إدارة باراك أوباما، قامت بتأليف تسعة كتب، آخرها حمل عنوان: «اسمع سيدي الرئيس، كل ما يريده الأمريكيون هو أن يكون رئيسهم ملماً بكل شيء ويعمل من أجلهم».
إدارة أوباما أقالت هيلين من منصبها هذا على خلفية ردها على سؤال حاخام يهودي حول إسرائيل، فأجابت بكل صراحة بأنه يتعين على الإسرائيليين مغادرة فلسطين، وعندما سألها الحاخام، ولكن إلى أين يذهبون؟ أجابت: فليعودوا من حيث أتوا، إلى ألمانيا، بولونيا، ودول أخرى.

و سرعان ما تم استبعادها وإقالتها من البيت الأبيض، بذريعة أن إجاباتها كانت «قاسية وجارحة».
فيما مضى طرحت هيلين الكثير من التساؤلات حول الدعم اللامحدد واللامشروط الذي تقدمه بلادها لإسرائيل، وأثناء انعقاد مؤتمر صحفي حول قدرة إيران على تصنيع أسلحة نووية، سألت الرئيس أوباما عن الأسلحة النووية «السرية» التي تمتلكها إسرائيل، وسألت: لماذا لم يُدِنْ البيت الأبيض الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» الذي كان يحمل مساعدات إنسانية لقطاع غزة؟!.

وبعد وقت قصير، وعقب مؤتمر صحفي آخر لهيلين، طالبت عصبة «محاربة الذم والقدح»، من كليات ومنظمات الصحافة سحب كل الامتيازات والألقاب الفخرية التي تم منحها لهيلين بعد أن اتهمتها باستخدام لغة «معادية للسامية» أثناء مؤتمرها الصحفي.
مزيداً على ذلك، توقفت كلية الحقوق والقانون عن منح جائزة باسمها، تمنح عادة لأكثر من عشرة أشخاص، وهي جائزة تنوع الفكر الإعلامي، بسبب «السمة المعادية للسامية» التي طغت على ملاحظاتها وشروطها.
لقد كانت هيلين صارمة مع كافة الرؤساء الأمريكيين أثناء انعقاد المؤتمرات الصحفية، و كانت على خلاف دائم مع المخبرين الصحفيين الآخرين الذين كانوا يجلسون معها في قاعة الصحافة في البيت الأبيض، ولم تكن تدع أي فرصة أمام الرؤساء ووزراء الإعلام والاتصال للتهرب من الإجابة عن الأسئلة المطروحة عليهم.

ربما لهذا السبب أيضاً، قاد «آري فليشر» مهمة إبعادها، خاصة وأنها رفضت تصديق أكاذيبه حول الحرب على العراق، وكانت تدحضها وتهاجمها في كل مؤتمر صحفي يعقده البيت الأبيض.
الإهانة والشتيمة الأخيرة جاءت من جهة غير متوقعة، إنها المجموعة التي تنظم اجتماعاً مناهضاً لمنظمة «إيباك» المقربة من إسرائيل في واشنطن.

في بادىء الأمر تمت دعوة هيلين للتحدث إلى المجموعة التي كانت تعد التحضيرات الضرورية لمؤتمر مناهض بالتزامن مع احتفال منظمة إيباك السنوي في واشنطن، وبما أن «إيباك» هذه هي أقوى لوبي في أمريكا من حيث النفود والتأثير، فقد دعت كافة أعضائها إلى اجتماع سنوي في واشنطن، كي يتمكن كافة المرشحين للانتخابات الرئاسية، وأصدقاء إسرائيل «الأوفياء» في الحكومة، من المجيء والزحف نحو نبع التمويل السياسي والمادي للحملات الانتخابية ألا وهو «إيباك».. إنها الجهاز الذي يقدم كل الدعم المالي للسياسيين، وهي التي تأمر بتمويل أو عدم تمويل بعض المرشحين في حال وعدوا بالتصويت على استمرار تقديم المساعدات لإسرائيل، وحمايتها من أولئك الذين ينتقدون جرائمها الشنيعة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في بلدهم المحتل.
إذاً دُعيت هيلين للاجتماع، ومن ثم أُلغيت الدعوة، لأنها أصبحت شخصاً غير مرحب به.

لم يكن لدي هيلين أي تفسير لهذا الأمر، ومع غياب التفسير الواضح، بوسع المرء الاستنتاج أن عملية التطهير السياسي بدأت على يدي «آبي فوكسمان» والعصبة المناهضة للقدح والتشهير الخاصة بإسرائيل حصراً، التي تواصل حملتها مستخدمة القاعدة التي أقامها أعداء «إيباك» المزعومون، وبالتالي النية المبيتة لدى المدافعين عن إسرائيل، تقوم على إسكات وإقصاء كل من يشبه هيلين في العالم، وإخفاء الآراء المعارضة لأعمال إسرائيل الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، وضد لبنان، وتحديداً الجنوب اللبناني.. هيلين ليست الوحيدة المستهدفة، فقد مارس اللوبي الإسرائيلي ضغوطه على القاضي غولدستون كي يتراجع عن جزء مما كتبه في تقريره وهو الجزء المتعلق بإدانة إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة أثناء عدوانها الوحشي على القطاع.
والسؤال الذي يجب طرحه هو الآتي: هل تستطيع الولايات المتحدة منع صدور أي تلميح أو إشارة لجرائم إسرائيل ضد الإنسانية؟.
وهل تستطيع مواصلة ق
مع وضرب كل من يجرؤ على انتقاد سياستها إزاء إسرائيل أو معاقبته بعزله عن العالم وعن الحياة العامة، وبنبذه من قبل كل الأمريكيين…؟!.
إن هذا القمع هو شكل من أشكال التطرف الفكري الذي نرفضه رفضاً قاطعاً، ولن نتردد في محاربته حتى القضاء عليه.

ترجمة: هيفاء علي- البعث

السابق
البناء: ردود فعل إسرائيل على المصالحة.. هيستيرية
التالي
وصمة عار في سجل إسرائيل