ثلاثي الترابط

هرعت إسرائيل كعادتها إلى إضفاء أهمية مصيرية على قتل أسامة بن لادن وللمتنبئ بالإرهاب العالمي، بنيامين نتنياهو. وكما لو أن كل الأمور كانت جيدة وأنها تخدم نتنياهوعندما كان يتشمس بن لادن بين أسوار مزرعته في باكستان، وبالمقابل كما لو أن السماء سقطت عليه للتو، حينما ألقيت الجثة الممزقة بالرصاص للإرهابي الكبير كحجر ثقيل في أعماق المحيط الهندي.
ليس مؤكدا أن هناك ترابط بين نتنياهو، أسامة وأوباما. وحتى قبل قتل بن لادن كان أوباما زعيما قويا، يمتلك فرصة معقولة للفوز بولاية ثانية. وفي كل حال، فالأمر يتعلق فقط بالوضع الاقتصادي الأميركي بعد عام ونصف وبوضع التعليم، الصحة، قروض الإسكان وسوق العمل. والزعم بأن أوباما المحتفل بعد قتل بن لادن، نذير شؤم على نتنياهو، منطقي بالضبط كالزعم بأن العملية في عمق باكستان لو فشلت لا سمح الله، لصب أوباما جام غضبه على رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي سيلتقيه يوم الجمعة بعد أسبوعين.
ليس كل ما يجري في غرفة الأوضاع في البيت الأبيض يلقي بآثاره فورا على إسرائيل. والأكثر ارتباطا هو التطورات بين غزة ورام الله والاستعداد الإسرائيلي للإعلان من جانب واحد عن الدولة الفلسطينية، وهو الأمر المتوقع في أيلول أو ربما قبل ذلك. و«الاستعداد» في الجوهر يعني الخوف الذي يكاد يبلغ الذعر، والمتفشي في القيادة الإسرائيلية قبيل التسونامي المشهور. وفرضية العمل في ديوان رئاسة الحكومة هي أن الحديث يدور عن «عمل منجز»، عن صفقة مبرمة. فالدولة الفلسطينتية ستعلن، والسؤال هو: ما عدد الدول التي ستعترف بها أو الأصح، هل ستنجح السياسة الإسرائيلية في إقناع أحد بالتصويت ضد هذا الإعلان أو الامتناع عن التصويت.

وإعلان دعم رئيس حكومة حماس في غزة، إسماعيل هنية، للمرحوم بن لادن، قبل يومين من المصالحة الرسمية بين حماس وفتح، أغرق ديوان رئاسة الحكومة بالفرح أكثر من الاغتيال نفسه. وعلى هذه الورقة خرج نتنياهو للاجتماع بقادة بريطانيا وفرنسا. وعشية سفره نال التشجيع من تصريحات زعيمة المعارضة، تسيبي ليفني، ضد المصالحة الفلسطينية. وفي المدى المباشر، سمحت أقوال ليفني لنتنياهو بأن يقول للرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي ولرئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، ان معارضة حكومة الوحدة الفلسطينية مشتركة بين كل المعسكرات ويجمع حولها حوالى مئة عضو كنيست (رغم أن ليفني تحدثت بطريقة مغايرة لكلامه: إذ أعلن هو أن المصالحة توجه «ضربة قاصمة للسلام وانتصار هائل للإرهاب»، فيما أعلنت هي أنه إذا اعترفت الحكومة الجديدة بشروط الرباعية – الاعتراف بإسرائيل، وقف الإرهاب وتبني الاتفاقيات السابقة – فيمكن التفاوض معها).

وعلى المدى الأبعد، لا يزال نتنياهو يتسلى بفكرة أنه استعدادا للأيام الفظيعة التي تنتظرنا ابتداء من أيلول المقبل، ستوافق كديما على الانضمام لحكومته، كنوع من الرد الصهيوني المناسب على الوحدة الفلسطينية. لكن مثل هذا السيناريو لا يخطر ببال ليفني. ليس فقط لأن الواقع السياسي المنفعل ضدنا هو ثمرة لسياسة نتنياهو، وهي سياسة يعارضها حزب كديما، وكما يقولون في محيط ليفني، فإنه يريد منا أن ننضم إليه؟ أن نتعاون معه؟ إن ذلك يشبه من قتل والديه وهرع للشكوى من أن حياته باتت صعبة لأنه يتيم.

في 24 من هذا الشهر يفترض أن يلقي نتنياهو خطابه المأمول أمام مجلسي الكونغرس. وفي هذه الأيام يعكف على كتابة المسودات. ولا أحد في محيطه يعرف ما ينوي قوله. وثمة شك في أنه شخصيا يعرف ما سيقول. نتنياهو يجلس وحيدا في مقره الرسمي في شارع بلفور في القدس ويخربش لنفسه جملا مركزية. إن خطابا أقل من مثير، لن يستقبل بالترحاب في البيت الأبيض وأوروبا. وخطاب كهذا نتنياهو غير مؤهل لإلقائه. وأناس كبار يتحدثون معه لديهم انطباع بأنه «ينحرف يمينا نحو قاعدته الطبيعية، استعداد للانتخابات»، حسب وصف أحدهم. في المعسكر اليميني من الخريطة لا مكان للإثارة السياسية.

السابق
اختلاط أوراق لعبنا
التالي
ثلاثة أعراس وجنازة