ثلاثة أعراس وجنازة

تحدث أحد كبار المجربين في المؤسسة الأمنية قبل أكثر من عام، في نقاش مغلق، عن احتمال المصالحة بين فتح وحماس، بين الضفة والقطاع فقال: «إن الانقسام بين غزة وايهودا والسامرة انقسام حقيقي. وهو ليس انقساما ناجما عن حدث موضعي أو عن خلافات محددة في الرأي، إنه انقسام اجتماعي، جغرافي، عقلي وربما وطني أيضا. وحينما يكون الوضع هكذا، فإنه حتى إذا تحققت المصالحة، يصعب تصديق أنها ستكون مصالحة حقيقية. من الجائز أن تحدث مصالحة ظاهرية لأغراض داخلية أو خارجية. كما حدث في اتفاق مكة. ولكن عمليا، سوف تكون مفاجأة كبيرة إذا تغلغلت في الواقع. إن مستقبل المصالحة المقبلة لن يكون أفضل من جرى لها في غزة. فحماس لن يكون لها موطئ قدم في يهودا والسامرة، كما لا تنوي حماس إعادة فتح إلى غزة. هذه وقائع محددة. ونحن أقرب إلى حل ثلاث دول لثلاثة شعوب، أكثر من قربنا من حل دولتين لشعبين. في غزة والضفة يعيش فلسطينيون مختلفون جدا، هناك بعد جغرافي، أيديولوجي، حزبي، ديموغرافي وأيضا ديني. إن عرب غزة وعرب الضفة هما شعبان مختلفان بعقليتين مختلفتين. لا أحد أحب الآخر أكثر من اللازم أبدا».

في هذه المرحلة أدرج الرجل حوادث تاريخية: «في العام 1999 جربنا الممر الآمن. بعد بضعة أيام جاء إلينا حاكم رام الله أبو فراس، ورجانا إغلاقه. وقال: لا نريدهم هنا، فليعودوا إلى غزة. ماذا حدث؟ الناس جاءوا من غزة إلى رام الله، إلى بيت لحم وفورا وقعت سرقات وأحداث جنائية، عقلية «أنا آخذ»، التي تعني نقل كل ما ليس مغروسا في الأرض يمكن أخذه. وهم ببساطة وضعوا على الشاحنات كل ما يمكن حمله، وسرقوا. حينها أغلقنا فعلا الممر، ولم يفتح بعدها. والوضع بين أهل غزة والضفة لم يتحسن منذ ذلك الحين، بل تفاقم».

إن أقوال هذا المسؤول الكبير جدا ستوضع موضع الاختبار في الشهور المقبلة. ومن الجلي في هذه الأثناء أن المحبة لم تنتعش بين أبي مازن وخالد مشعل، وأن ما ترعرع هو المصلحة المشتركة. ولا أحد يعرف مدى قوة هذه المصلحة وإلى أي حد ستهيمن في الشهور المقبلة وستنجح في التجسير على الهوة بين الطرفين. فمن شدة الحماسة نسينا الإصغاء إلى خطاب خالد مشعل. وبتعابير حمساوية، كان الخطاب تصالحيا، وربما انهزاميا. حماس على استعداد لقبول دولة في حدود العام 1967 وحماس على استعداد لمنح فرصة أخرى للتحاور مع إسرائيل رغم فشل التحاور.

وعندما تخرج هذه الكلمات من فم زعيم حماس، فإنها ليست قليلة الإثارة. وبالمقابل محظور نسيان أن حماس مأزومة. وليس فقط حماس. فالعريسان، أبو مازن وخالد مشعل، فقدا راعيا هاما. أبو مازن فقد مبارك، ومشعل فقد الأسد. وبالتوازي تتبلور خطوة أيلول (التي يمكن أن تحدث أيضا في تشرين أو لا تحدث أبدا). وهذا هو الوقت لتبديد المخاوف عبر جبهة موحدة. توحيد الصفوف. الفكرة ممتازة، التنفيذ سيكون شبه مستحيل. سوف نرى كيف يشكلون حكومة، كيف سيطيحون بسلام فياض، الذي يعتبر الشخصية العربية الأكثر شعبية في العالم، سنرى كيف يبلورون أجندة سياسية مشتركة، كيف سيتصرفون مع التعاون الأمني مع إسرائيل، ويعينون كبار المسؤولين، ويتقاسمون المال. كل هذه العقبات في انتظارنا. والزوجان خرجا هذا الأسبوع لأول لقاء. هل هو عرس؟ من السابق لأوانه معرفة ذلك.

الاغتيال المزدوج
أما من بدا هذا الأسبوع عريسا ليلة دخلته فهو الرئيس باراك أوباما. كان هذا أسبوعه. وكل شيء كان في خدمته، بما في ذلك الحظ. فقد أعطى فجر يوم الجمعة الفائت لـ«أسود البحر» القرار باغتيال بن لادن.
وقاد الطقس إلى تأخير الخطة، فلم يتم التنفيذ إلا بعد يومين. تخيلوا أن بن لادن نفذ الاغتيال يوم الجمعة، في ذروة العرس الملكي في لندن. لقد كان بوسع الجنازة في عرض البحر أن تغطي على العرس في القصر، في شاشات التلفزيون وعلى شبكة الانترنت وحتى في عناوين الصحف. من كان سينشغل بمسيرة القبعات الغريبة لنساء المملكة الموحدة في صحف يوم السبت؟ من كان سيهتم بالقبلة الخاطفة تلك على الشرفة؟ لقد أجل الطقس، الذي يحب البريطانيون الحديث عنه، العملية وحافظ على الحلف الشمال أطلسي.

وبجدية: فإن اللعب مع بن لادن حدث لأوباما في توقيت ممتاز. في هذه الأيام يفترض بمختلف المرشحين الجمهورين اتخاذ القرار بشأن التنافس على منصب الرئاسة العام 2012 وحسم أمر المرشح. والآن شطبت نقطة الضعف المثيرة من حملة أوباما، عندما لم يعد بوسع أحد الاستخفاف بعزيمته، بقدرته، واختفى السلاح المركزي في ترسانة الجمهوريين. في وضع كهذا يصعب على جمهوريين جديين اتخاذ القرار بمنافسته. سيقول الجمهوريون الجديون لأنفسهم : لماذا نجلب لأنفسنا الشقاء الآن؟ فأوباما سيكون رئيسا لولاية ثانية ومن الأفضل تأجيل المنافسة للعام 2016.

السابق
ثلاثي الترابط
التالي
قبلان يوقّع كتابه في اللبنانية الدولية