القطار أو الوابور

غريب هذا القطار السريع، المعروف أيضا باسم الإعلام! يتوقف هنا اليوم وهناك غدا. يضع الرجال والبلدان على الشاشات، على عجل وفي نزق، ثم يزيحهم بالطريقة نفسها! ما يحدث اليوم يتصدر، وما حدث أمس صار تاريخا من الماضي. لا ذكر لابن علي ولا للبوعزيزي. أسامة بن لادن يزيح كل الأخبار، وبعد يومين يفسح موقع النبأ الأول لأخبار أخرى. الخبر الأول في مصر اجتماعي صرف، حول احتفال الرئيس مبارك بعيد ميلاده الثالث والثمانين. غريب، قبل أشهر كان العالم يتساءل، هل سيمدد أم يورث؟! والآن، العالم يبلغ بأن الرئيس تبادل النكات مع حلاقه الذي جاء من القاهرة. حتى في أصعب الساعات، يظل الظرف المصري حاضرا!

أغرق المصريون كل صعوباتهم المعيشية أيام عبد الناصر بسيل من النكات حتى ظنت الدولة أن هناك جهازا خاصا يعمل على تأليفها! ثم تبين لها أن هذا الجهاز هو الشعب المصري.
نقوم كل صباح ونحن نتساءل: أين سيتوقف هذا القطار اليوم؟ والأغنية المصرية القديمة تتساءل: «يا وابور قوللي رايح على فين، يا وابور قوللي وسافرت منين». والقطار سائر بسرعته اليابانية التي تقارب سرعة الطائرة. توقف في فوكوشيما فهددنا بالإشعاع النووي. وبعد جولة حول العالم دامت عقدا كاملا، توقف في ضواحي إسلام آباد، حيث بدأت قصة أسامة بن لادن وانتهت. لكن حكاية «القاعدة» لم تنته بعد. إنهم يبحثون عن زعيم جديد وليس عن رمز جديد. فأين يمكن أن تعثر مرة أخرى عن رجل يمثل هذا الاسم؟
من الصعب أن تقتل الأسطورة، كما كتب عبد الرحمن الراشد ومشاري الذايدي. وعندما فجر مقر الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، قالت امرأة إنها شاهدته ينقل إلى المستشفى، وقالت أخرى إنه ألقى عليها التحية من سيارة الإسعاف. وقال رجل إن الشيخ بشير ألقى عليه التحية وسأله عن أولاده. وبعد ساعات، تعرف السياسي كريم بقرادوني على جثة صديقه الرئيس من خاتم الزواج، الشيء الوحيد الذي بقي قطعة واحدة.

ظل والد محمد عطا، أشهر منفذي 11 سبتمبر (أيلول)، ثلاثة أيام بعد الهجوم يقول إن ابنه اتصل به هاتفيا من نيويورك، نافيا كل ما قيل عن دوره. لم يستطع أن يصدق أن ابنه يمكن أن يقوم بمثل هذا العمل ولا بأنه يمكن أن يموت. الناس تخلط دائما بين البشر والمعجزات. وتفضل دائما الخيال. لأن الحقيقة صعبة التصديق.

السابق
لا بديل عن ميقاتي
التالي
الحصانة الوطنية في مواجهة الحرب النفسية