“حزب الله” يخسر في سورية

مازلت اذكر كيف أن الكبار والشبان والصغار والنساء في العديد من المدن والقرى السورية رفعوا صور السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني وهتفوا باسمه بعد عام 2000 حين استطاع الشعب اللبناني دحر قوات الاحتلال الإسرائيلي وحرر المقاومون جنوب لبنان. ونحن نعلم أن «حزب الله» قدم شهداء كثر من أجل ذلك وكان له الدور الأساسي في مقاومة الإسرائيليين، رغم انتقادنا وتحفظنا عما جرى من مؤامرات لمصادرة «المقاومة» و حصرها بيد حزب واحد ومجموعة واحدة دون كل اللبنانيين.
ومازلت أذكر كيف أن السوريين جميعاً بكل طوائفهم تعاطفوا مع أشقائهم اللبنانيين ومع «حزب الله» خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، لقد تألم السوريون جميعا وفتحوا بيوتهم لكل الهاربين من القصف الإسرائيلي الذي شمل مناطق واسعة من لبنان وبالأخص في الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت حيث كانت الصواريخ تستهدف الحزب ومقاتليه، لا بل ان سوريين قتلوا جراء ذلك القصف عند بعض النقاط الحدودية فامتزج الدم اللبناني والسوري مرة جديدة.

لم أسمع يوماً كلمة سيئة أو حتى انتقاد من قبل أي مواطن سوري ضد «حزب الله» أو أمينه العام، فالجميع يحترم تجربة الشعب اللبناني في المقاومة، والجميع في سورية ترعرع على حب المقاومين وأغاني مارسيل خليفة وفيروز وقصائد الشعراء اللبنانيين التي ألهبت المشاعر في كل بيت وشارع في سورية. كنا في سورية ننظر بقدسية إلى دور المقاومين اللبنانيين وإلى السيد حسن نصر الله… لكن اليوم ثمة شيء قد اختلف، ليس اليوم، بل منذ 2005 وظهور الصور المشتركة لسيد نصر الله مع شخصيات أمنية سورية لا يحترمها غالبية السوريين بسبب تورطها في قمع الشعبين اللبناني والسوري وبسبب تورطها في عمليات فساد ضخمة في كلا البلدين وخاصة خلال فترة وجود القوات السورية في لبنان.

أما اليوم فإن مشاعر غالبية السوريين أصبحت في مكان آخر بعد الصمت المريع للحزب واحجام أمينه العام عند قول الحق في ما يجري في سورية مع أحداث، واحجامه أيضاً عن مناصرة الناس والشبان الذين أحبوه يوماً ما.
منذ اندلاع موجة الاحتجاجات في سورية، وبالرغم من مقتل المئات على أيدي القوات الامنية والجيش، لم يسمع أهالي القتلى في سورية كلمة طيبة من «حزب الله» أو من أعضائه أو قيادته، بل على العكس تماماً، عبر الحزب عن تعاطفه من النظام الذي يقتل الناس والمتظاهرين العزل المسالمين؟

السيد حسن نصر الله حيا وبارك وأيد الاحتجاجات والثورات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وعرض عليهم دعماً أيضاً، كذلك أيد الاحتجاجات التي اندلعت في البحرين، ورغم احترامنا وترحمنا على كل ضحية سقطت في اي مكان، فإننا نستغرب أن «حزب الله» لم يقل كلمة طيبة أو مؤيدة بحق المحتجين في سورية، رغم أن عددهم حتى كتابة هذه السطور قد تجاوز الـ 600 شهيد، هذا عدا عن الآلاف من الجرحى والمعتقلين.

يقول أحد الشبان السوريين على صفحته على الفيسبوك… «كم فرحنا وبكينا وانتشينا مع سماحة السيد حسن نصر الله كم تعاطفنا وتألقنا وركبنا السحاب مع حسن نصر الله..لكن اليوم…»!
نعم لقد شعرت الغالبية من الشبان في سورية ممن خرجوا للتظاهر والاحتجاج ضد تاريخ من القمع ومصادرة الحريات بأن «حزب الله» يطعنهم ويرد لهم المعروف بالخيانة والتواطؤ من خلال الصمت على قتلهم وعدم تأييد مطالبهم بالكرامة والحرية، ومن خلال تأييده للنظام في سورية الذي اتضح للعالم كله حجم الوحشية التي لجأ إليها في تعامله مع مطالب الناس.

ويعكس النائب اللبناني السابق ناصر قنديل المقرب من «حزب الله» والمقرب جداً من النظام في سورية، والمدافع اليوم بشدة وبلا هوداة عنه على الفضائيات، موقف الكثير من حلفاء النظام السوري في لبنان، لقد جرحت هذه المواقف السوريين كثيراً وأصابتهم في عمق مشاعرهم، وجعلتهم يتساءلون كيف يمكن أن يدافع «حزب الله» وحلفاؤه عن هذا النظام ألم يذوقوا ويشربوا من كأس الظلم؟ وعليه ما الفرق بين الضحية في لبنان والضحية في سورية رغم اختلاف هوية القاتل؟
أكثر ما أزعج السوريين وأهالي
الضحايا هو حديث ذلك النائب اللبناني عن «مؤامرة» تستهدف سورية، وحديثه عن «غرفة عمليات مركزية في بيروت» و«غرف سوداء» هنا وهناك، و«إمارة إسلامية» و«مندسون» ومخطط «لإعلان انفصال درعا عن سورية»، مستخدماً تعابير الإعلام السوري الرسمي نفسها دون الاعتراف بالمطالب العادلة للناس بالحرية والكرامة وإيقاف القمع. إنه لمن المستغرب حقاً أن هذا النائب فرح كثيراً وهلل لشبان تونس والبحرين وميدان التحرير في القاهرة لدرجة اعتقدنا أنه هو من كان يقف وراء الثورة في مصر، لكنه صمت نهائياً حين خرج الشبان في سورية، متأثرين بموجة الاحتجاجات التي ضربت غالبية الدول العربية ومستلهمين نجاح الثورات في تونس ومصر.

الصور التي حفظتها الناس في ذاكرتها لبعض رموز المقاومة في لبنان والتي كانت محفورة في ذاكرة ومشاعر السوريين عميقاً… تتلاشى اليوم على وقع الصمت المريب والتواطؤ الظاهر ومناصرة القاتل على حساب الصدور العارية للشبان الباحثين عن الحرية والكرامة.
السؤال،هل يتوقع الحزب أن يتعاطف معه الناس في الشارع السوري؟ سؤال لا نملك الإجابة عنه اليوم، وإن غداً لناظره لقريب.

السابق
حارة العسكر
التالي
التعديات على الأملاك العامة تتحدى الدولة