العالم يتغير مجدداً

في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، قال المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر في أول تعليق له على صاعقة تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك على يد تنظيم «القاعدة»، انه بدءاً من هذه اللحظة «العالم تغيّر».

وبالفعل، شهد العقد الماضي تغييرات هائلة حين اندفعت الآلة العسكرية الأميركية نحو الانتقام، تحت شعار محاربة الإرهاب، فاحتلت دولاً وقادت «الصدفة التاريخية» التي أدت الى تحالف المحافظين الجدد بأحلامهم الإمبراطورية مع شركات الأسلحة الأميركية وحاجتها الى تصريف إنتاجها واختراعاتها الجديدة، الى ازدراء أميركا حلفاءها في أوروبا وفي سائر العالم، والقوى الإقليمية الكبرى، فغرقت في حروبها المتعددة الجبهات وأغرقت معها اقتصادها المتعب، وضاعفت عداء المسلمين لها في العالم لأنها خاضت حروبها على قاعدة الأفكار المسبقة تجاه الإسلام، وأعطت لإسرائيل الضوء الأخضر للسعي الى تصفية القضية الفلسطينية.

وبقدر ما دخلت عملية «محاربة الإرهاب» جزءاً من برامج الحكومات التي أرادت كسب ود أميركا أو مقايضتها بالتجاوب معها في حربها هذه بانتزاع شرعية أنظمتها الديكتاتورية والأوتوقراطية، فإن الأنظمة التي استفادت من تلك المقايضة سعت الى ترسيخ سلطاتها على شعوبها وزادت من قمعها لها، إنْ بسبب تعثر مشروع السيطرة الأميركية على الشرق الأوسط، أو بفعل حصولها على مشروعية الاستمرار من الدعم الأميركي نفسه. شعرت هذه الأنظمة بأنها رسّخت أقدامها أكثر من السابق، في زمن صعود القوى الإقليمية الكبرى في التعاطي مع الأزمات الدولية، سواء بسبب نمو بعضها الاقتصادي، كما في الهند والبرازيل وتركيا، أو بسبب قدراتها العسكرية والتدخل في الأقاليم التي تتحرك فيها، مثل إيران وسورية.

لكن من رحم العالم المتغيّر الذي توقعه شرودر عام 2001، وُلدت خلال العقد الماضي عوامل التغيير الذي بدأت ترتسم معالمه في عالم العقد الذي بدأ.

وليس مبالغة على الإطلاق القول إن التحولات العربية والثورات في الشرق الأوسط هي المحرك الرئيس للحقبة الجديدة من تغيّر العالم. وقد يكون النجاح الأميركي في قتل أسامة بن لادن تطوراً مهماً في حرب واشنطن على الإرهاب، إلا ان التطور الأهم الذي أثبتته التحولات العربية والحقيقة الجوهرية التي كرّستها الثورات هي ان وضع الشعوب في خيار بين أن تكون مع بن لادن و «القاعدة» وبين ان تكون مع السياسة الأميركية بكل جموحها، هو خيار خاطئ ينتج سياسات خاطئة وقاتلة. فهذه التحولات أثبتت أن لدى الشعوب العربية خيارات أخرى مختلفة تماماً وأن حركة التطور فيها تنتج خيارات من نوع آخر، بين الحرية والعيش الكريم وبين الاستغراق في التطرف والخضوع والديكتاتورية المستنيرة، أو بين الحداثة والتحديث اللذين يستخدمان غطاء للقمع ولتخلف البنى السياسية وبين الديموقراطية، أو بين الولاء المطلق لأميركا وبين الحد الأدنى من الكرامة الوطنية التي لا تتناقض مع العولمة الاقتصادية وتشابك المصالح بين الدول. لقد باتت أميركا ومعها الغرب، امام خيارين، ان تتخلى عن أفكارها المسبقة عن المسلمين والعرب أو أن تتجاهل إراداتهم وتطلعاتهم.

لقد سبقت التحولات العربية في قتل التطرف وتطويع التشدد، عملية قتل بن لادن، لأن الثورات العربية شهدت إسلاميين يتسمون بقدر من الليونة.

قد يحجب المخاض الذي سيرافق ملامح التغيير على الصعيد العالمي، وتعقيداته الكبيرة رؤية هذا التغيير، لكن هل كنا نتوقع ان نسمع اعترافاً أوروبياً قريباً بالدولة الفلسطينية وخوفاً إسرائيلياً من ضغط أميركي آت على الدولة العبرية لولا الأثر الذي أحدثته التحولات العربية على موقعها في المنطقة باعتبارها «واحة الديموقراطية الوحيدة» في المنطقة؟ وهل كانت المصالحة الفلسطينية لتحصل لو لم تفعل هذه التحولات فعلها في تحرير هذه المصالحة من القيود الإقليمية لتعود مصر وترعاها بعد ان كانت الصراعات السابقة حالت دون ان تنجح في إتمامها؟

واحد من ملامح تغيّر العالم ان «حماس»، في نطاق المصالحة مع «فتح»، تبدي استعداداً لإعطاء التسوية السلمية فرصة جديدة…

السابق
الأكثرية الجديدة ما زالت ملتزمة بميقاتي… كخيار استراتيجي
التالي
نجـوم قـنوات الفتــنة