موقع الخليج على خريطة الأحداث في سوريا

أول سبب للغضب ﻫو اﻷمل كما قال الفيلسوف سيناك (Sènèque)، حيث إن فقدان اليقين ينتهك التفاؤل بوحشية. وقد غضب الشعب السوري بعد خيبة أمله في وعود رئيسه واعترافه بمشروعية مطالبهم ثم تراجعه بضغط من صقور أسرته وطائفته وحزبه، حيث امتطى مع أخيه ماهر -الذي أشعل مناخ التعبئة في صفوف الفرقة الرابعة حرس جمهوري- دبابة روسية من طراز «تي 72» مقررا استخدام الخيار الدموي، ومتخليا عن الإصلاح، ليقمع الشباب من درعا حتى اللاذقية، معتمداً على ذاكرة متعبة لا تفرق بين صيغة الأخبار عن درعا في تويتر وعن حماة في صحيفة تشرين.

ستخلق ممارسات سرايا الدفاع، غضباً لن يستطيع العنف أن يوقفه. ولتخفيف الضغط عليه سوف يقترح صقور دمشق على الرئيس بشار إشعال فتيل صراع الملفات الإقليمية، بتصدير الأزمة إلى الخارج لإطفاء غضب الداخل، ولأن بيروت لم تعد كبش الفداء المناسب ولا الطريق الأسلم لابتزاز المجتمع الدولي، ولوعي دمشق أن بيروت المثخنة بالجراح لم تعد قادرة على إظهار ما تريده دمشق من صراخ. كما أن دولاً عدة لن تنخرط في البكاء في زمن الربيع العربي المثمرة أشجاره على غصن آخر يسقط من شجرة الأرز. فقد نسوا أن لبنان من دون حكومة منذ زمن طويل، ولأن دمشق لا قبل لها بمقارعة إسرائيل التي تستعد لأوسع مناوراتها المسماة «تحول 5» إلا بالبطولات الخطابية فلا بد من حدود أخرى يلقى خلفها بالأزمة التي ضيقت عليه ريف دمشق. فأين الصندوق السيادي الذي كان للأسد فيه استثمار كثيف لمثل هذا اليوم؟

قبل أيام تفتق ذهن الرئيس اليمني المراوغ علي صالح عن فكرة تصدير أزمته إلى الخليج، بافتعال أزمة سياسية مع بعض دول المجلس، لكنه لم يجتهد في خلق أدوات استثمارية مثل العلاقات السورية مع إيران، وحزب الله. لقد اتسعت دائرة اتهامات سوريا وحلفائها لدول الخليج بالتدخل في الشأن السوري تصريحا وتلميحا، ما خلق جملة من الوقائع المقلقة للمراقب الخليجي، وقد تأسست هذه القناعات على المقدمات المنطقية التالية:

1. صورت دمشق الإعلام الخليجي وهو يجرد عليها الحملات الظالمة، بينما قالت العواصم الخليجية بحق السوريين في الإصلاح وفضح الممارسات القمعية ضدهم، فدخل الطرفان في جدليات تبادل النفي بدل تبادل الاعتراف، فجاء ذلك مبررا لصدور فتوى لاستباحة أمن الخليج.
2. لتعميق المشاكل المعيشية في الخليج برفع أسعار المنتجات الزراعية تم إغلاق المعابر الحدوديّة بين سوريا والأردن ولبنان لوقف تصدير المحصول الزراعي، كما منعت الشاحنات الفارغة والآتية من الخليج من دخول الأراضي السورية.
3. تصريحات حزب الله وهو ينظر لتدخله المرتقب في الخليج لصالح دمشق من منطق فهمه «للضغوط الدولية والعربية التي تستهدف سوريا وفقاً لأهداف الإدارة الأميركية التي تنفذها أدواتها في المنطقة» ومفتاح الصول في نوتة حزب الله الجنائزية والتي سماها «أدوات الإدارة الأميركية» هي العواصم الخليجية التي سيخلق عدم استقرارها على يد حزب الله كماً هائلاً من العُقد لواشنطن.
4. لإدخال الخليج في دينامية التصعيد، عادت طهران للنفخ في أزمة خمدت نارها، بعد خسارتها جولة المنامة والكويت، وكان آخر النفخ تصريحات رئيس هيئة الأركان الإيراني حسن فيروز آبادي حول ملكية إيران للخليج وتهديد السعودية، لتخفيف الضغط عن سوريا رغم أن الحصافة السياسية تقتضي اختيار الصمت في الظل بعد تراجع المكاسب.
5. أما قارص القول من دمشق في حق دول مجلس التعاون فقد تمثل في نشر اعترافات هزيلة الإخراج لخلية إرهابية ذات توجهات سلفية. واستخدام صيغة البصمات الوهابية في الحراك هناك، بالإضافة إلى نشر أخبار مصادرة أسلحة ونقود قادمة من طرابلس السنية، لتختمها بتلميح بحجم بعير بعرضها شيكات تمول العنف في سوريا موقعة من شخصيات خليجية مهمة.
6. تعتقد دمشق أن هناك جهدا أميركيا يقضي بحشد إجماع إقليمي لفرض سيناريو التنحي اليمني عليها، ومع تراجع دور القوى العربية الأخرى تصبح دول الخليج هي العمود الفقري للسيناريو، بل إن دمشق تتوجس لو فشل سيناريو التنحي من تكرار سيناريو القذافي بحيث يلعب الخليجيون دور المحرض لولادة قرارات أممية أو حتى مشاركة خليجية بقوافل إغاثة بالقوة. لذا يجد فريق الأسد ضرورة تسويق امتلاكهم لورقة ضغط للتأثير في مسار الأجندة الأميركية من خلال الضغط على دول الخليج بإيران وحزب الله.
7. ترى طهران أن المعنى الاستراتيجي لنجاح التحول في سوريا هو فقدان عصفورين بحجر واحد، حكومة البعث، وحزب الله، وتعني سقوط حجر الدومينو الأول، ولن تقف طهران حيال ذلك مكتوفة الأيدي حتى ولو كان تدخلها لعباً بكرات النار في مستودع البارود.

تكمن مشكلة دمشق في حاجتها إلى أن تكون على ألفة مع مصطلح التغيير والإصلاح، لكنها تتمزق بين شعورين، فتراهن من جهة على أن الأنظمة الخليجية التقليدية التي تقدس الاستقرار ستلتقي مع سياسة دمشق عاجلا أم آجلا لخوفها من الثورات. فالأسد ليس القذافي والمسافة من الخليج إلى دمشق ربع المسافة إلى قاهرة مبارك، وأسهل من تعرجات الطريق لصنعاء، لكن دمشق أخطأت في قراءة أن دول الخليج ترى أن القهر للشعوب المحيطة بها قد ينشر ثقافة التمرد لديها حتى وإن كانت شعوب الخليج محصنة بالرخاء ضد تلك العدوى. من جهة أخرى ترى دمشق أن تردد وضعف قرارات الإدارة الأميركية ضد دمشق مرجعه أرباح الاستثمار السوري في العلاقات مع إيران وحزب الله، وكيف أن عليها استخدامهُ بشكل أوسع في نقطة الضعف الأميركية الإقليمية وهي دول الخليج.

السابق
عراجي: لبنان لا يتحمل حكومة لون واحد ولاؤها للخارج
التالي
الوطن: شكوك حول مهمة هوف في بيروت وأجندة فيلتمان في عمّان