التحدي اللبناني.. للبنانيين

الرئيس سعد الحريري احتاج إلى 5 أشهر – نصف سنة تقريبا – ليشكل ما اعتبر آنذاك «حكومة وحدة وطنية». والرئيس الحالي المكلف، نجيب ميقاتي، قطع الـ3 شهور، وأكثر، في سعيه إلى تشكيل حكومة «الصف الواحد».
أن يستغرق تشكيل أي حكومة لبنانية في عهد «الاستقلال الثاني» شهورا وشهورا من المشاورات والمساومات، ظاهرة استثنائية في تاريخ الديمقراطيات العاملة في العالم كله، مما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان لبنان ديمقراطيا بالخيار السياسي الحر أم بالضرورة الطائفية القسرية.

تكرر هذه الظاهرة وتناسخها يستدعي التساؤل عما إذا كان لبنان يمر بأزمة حكم أم بأزمة نظام.. أم أنه لا يزال يشهد، في عهد طاقمه السياسي الموروث عن الحرب الأهلية (1975 – 1989) الفصل الأخير، والمحبط، من هذه الحرب العبثية.
ليس خفيا أن العداوات «الزعاماتية» الداخلية التي تحول دون تشكيل طبيعي لحكومات لبنان تعود، في الكثير من خلفياتها، إلى الحرب الأهلية التي وضعت أوزارها قبل أن يتسنى للمحاربين حسمها لصالح هذه الجهة أو تلك؛ لذلك تبدو خصومات السياسيين اللبنانيين اليوم وكأنها استمرار سياسي لمعارك ميدانية غير محسومة ونزاعات داخلية غير مبتوتة.

قد لا يختلف اثنان على أن لبنان، بحكم موقعه الجغرافي وتنوعه المذهبي، مسرح مفتوح على كل صراعات المنطقة العربية.. وما أبعد من المنطقة العربية في الآونة الأخيرة.
من هذا المنطلق أصبح أي حل لمشكلات لبنان المستوردة يحتاج إلى ضوء أخضر خارجي من البلد «المصدر».

لكن هذه الدول المصدرة لمشكلات لبنان ليست في عجلة لحلها؛ فحجم لبنان الصغير وضعف تأثيره الخارجي يحولان دون تهديده للآخرين وحتى دون احتمال إعادة تصدير مشكلاته المستوردة إليهم، الأمر الذي حوله إلى ساحة مواجهة بالوكالة عن اللاعبين الأساسيين محصورة باللبنانيين فقط.

مأساة لبنان الحقيقية حجمه وضعفه.. لا هو قادر على درء المخاطر المحدقة به، ولا هو قادر على حل مشكلاته بنفسه.
من هذا المنظور لا يلام سوى اللبنانيين على تركهم حال بلدهم يتدهور إلى هذا الحد.
نحو 7 عقود انقضت على استقلال «الكيان اللبناني» عن الانتداب الفرنسي، وللآن لم يتوصل اللبنانيون إلى جعله وطنا ولا إلى تحويله إلى دولة.
إذا كان الولاء مقياسا لمنعة الأوطان، فإن طغيان الولاءات المذهبية المتعددة – والمتنافرة أحيانا – يؤكد فشل اللبنانيين في تربية ولاء وطني موحد، وإذا كانت هيبة السلطة مؤشرا على وجود الدولة فإن ما يجري من تحدٍّ علني لها وخرق يومي لقوانينها يؤكد أن الدولة، بأبسط مفاهيمها العصرية، ما زالت غائبة عن تراب لبنان.

تحدي لبنان للبنانيين أنه يدخل القرن الحادي والعشرين من دون أن يكون وطنا ومن دون أن يكون دولة.. فلماذا يستغرب اللبنانيون «المخاض» العسير، والطويل، الذي تمر به كل عملية تشكيل لحكومة «جديدة» بالاسم، ومستنسخة بالفعل؟
بل لماذا هذا التركيز على تشكيل حكومة لن تجترع المعجزات كائنا من كان طاقمها، بينما يحتاج اللبنانيون اليوم لا إلى حكومة جديدة بل إلى حوار «وطني» جدي يعيد إنتاج لبنان الدولة – إن لم يكن الوطن – برؤية بعيدة عن إرث الحرب الأهلية وعن ذهنية المحاصصة المذهبية.. حوار يستخلص العبر من فشل الحوار السابق ويتعامل مع «المسألة اللبنانية» بمقاربة دستورية مسؤولة أشبه بمقاربة «الآباء المؤسسين» لدولة الولايات المتحدة قبل قرنين من الزمن.
لكن هل يمكن العثور، في لبنان اليوم، على طبقة سياسية من المستوى المطلوب لإقامة دولة عصرية

السابق
الوطن: شكوك حول مهمة هوف في بيروت وأجندة فيلتمان في عمّان
التالي
الحياة: محاولة فاشلة لإزالة تعديات في صور