لبنان يتصحَّر وشعبه أسير الجوع والظلام

 أسطوانة متكررة تطالعنا مع ولادة كل حكومة جديدة، ولدى تعيين وزير جديد ومسؤول عتيد، فكل من يحتل وزارتي الطاقة والمياه يطلّ علينا إعلامياً ويبشرنا باستمرار أزمة شحّ المياه الشحيحة وتقنين الكهرباء، نحن الذين حفظنا كل تفاصيلها عن ظهر قلب منذ ولدنا.

لكن لم يخطر ببال أحد من هؤلاء المسؤولين ان يخبرنا يوماً أين ذهبت الستين مليار دولار التي تراكمت سنة بعد أخرى لتصبح دَيناً عاماً يثقل كاهل كل لبناني، ولا العجز المالي الذي سجلته موازنة عام 2011 بـ 4 مليارات دولار، ما زاد الدين العام على لبنان إلى 56 مليار دولار، حيث شكلت خسارة شركة الكهرباء ملياراً ونصف مليار دولار، اي ثلث عجز الموازنة، ولا كيفية تأمين ما يقدّر بـ3000 ميغا واط هي حاجة البلد الفعلية للكهرباء في حلول العام 2015.

على الرغم من كل ذلك، فإن الحكومات المتعاقبة مستمرة في «التذاكي» على الشعب والاستخفاف به وبمقدراته الفكرية، ولم يتم حتى الآن وضع خطة جدية لإنقاذ هذا القطاع وتخفيف العجز المخيف في الموازنة؛ فلا خطة الوزير جبران باسيل تمّ إقرارها في الحكومة أو في المجلس النيابي، ولا خطة البنك الدولي مع المصرف المركزي قد سلكت طريق التنفيذ، كما انه لا توجد خطة عملية لوقف عجز شركة الكهرباء الذي يصل الى مليار ونصف مليار وقد يصل عام 2011 الى ملياري دولار حيث ان رسوم البنزين وعائدات الخلوي مجتمعة توازي خسارة الكهرباء فتذهب عندها عائدات البنزين والخلوي لسد عجز شركة كهرباء لبنان!

اما بالنسبة لمشاكل أخرى مستعصية يواجهها لبنان مثل التصحر وندرة المياه وتلوث معظمها، فضلاً عن التبدل المناخي وفقدان الغطاء الثلجي… فحدّث ولا حرج، عن الإهمال المتعمّد لمسؤولين متفنّنين في إيقاع البلد تحت مبالغ هائلة من الدين العام والتغاضي عن تأمين الحدّ الأدنى من حق المواطن في العيش بكرامة… وعلى الرغم من كل هذه المشكلات التي تمّ ذكرها، فإن الحلول برمتها موجودة لدى الحكومات المتعاقبة منذ العام 1999 حتى الآن، حيث تجري من حينها المناقصات الدائمة على نحو غير جيد في ظل تلاعبات وإنفاقات مريبة، غالباً ما تترجم بأسعار تصل الى ضعف الكلفة الحقيقية للسدود – تشكل الحلّ الفعلي للأزمة ما يؤدي حكماً الى رفضها. وتظلّ حكوماتنا مصرة على تقاعسها عن إنشاء مشاريع سدود – بتكلفة أقل بكثير مما «يسرقه» المسؤولون والتي وبحسب أقوال الخبراء تستطيع تأمين مياه فائضة للبلد، بل وإمكانية بيع جزء منها للآخرين.

ما من معوّق جغرافي او تنفيذي يحول دون إنشاء حوالى 50 سداً في لبنان، خصوصاً بعد تراجع نسبة المياه في الينايبع الى اكثر من 30 % فيما جفّ عدد كبير منها، وكان المزارع يستطيع سابقاً الحصول على المياه من عمق 10 أمتار، اما الآن فقد يصل عمق الآبار الى 40 وأحياناً 100 متر، فضلاً عن التلوث الجرثومي الذي تتعرض له 70 % من مصادر المياه والشبكات في لبنان، وذلك بحسب الدراسات. واذا استمرت حالة الجفاف هذه فستتحول المشكلة الى أزمة حقيقية وتحديداً في المناطق التي ليس فيها آبار جوفية، ما سيؤدي الى انخفاض حجم الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وستكون أزمة تلقي بظلالها الثقيلة على الفقراء بالدرجة الأولى. إن لبنان سيواجه نقصاً متفاقماً بالموارد المائية وكذلك تفاقم تلوث الآبار الساحلية بالمياه المالحة بسبب تغير المناخ، كما ان نقص المياه المتوقع سيتراوح بين 250 الى 800 مليون متر مكعب سنويا بحلول سنة 2015، وذلك في تقرير صادر عن وزارة البيئة العام الماضي، عندما أمِل وزير الطاقة والمياه ان تكون سنة 2010 آخر سنة عطش للبنان وذلك بعد إعلانه عن خطة مرتقبة لحفظ المياه الجوفية في لبنان.

أين الشعب من كل ذلك، وهل يمكن أنّ يتحمّل المواطنون الفقراء أكثر؟ هل من الضروري ان تأتي موجات الحرّ لتتصاعد الاحتجاجات ويغلي الشعب وينزل الى الشوارع للمطالبة بأبسط حقوقه والإعراب عن شعوره بالظلم في بلد يعتبر أغنى بلدان الشرق الأوسط بالمياه؟ أين هي المليارات التي ذهبت هدراً، والتي بإمكان جزء منها بناء محطات كهربائية تغطي احتياجات الولايات المتحدة الأميركية الإثنتين والخمسين؟! ألا يحق للناس ان تقف موقفاً واحداً بسبب هذه الأمور المعيشية اليومية الملحة، أم اننا شعب لا يعرف سوى الاصطفاف المذهبي والطائفي والمناطقي ويقتصر وجوده فقط على بيع الأراضي للشعب الخليجي، والتي سيكون لنا في شأنها صولات وجولات قريبة؟

جرس إنذار حقيقي يقرع ويبشر اللبنانيين ان بلدنا يقع قاب قوسين أو أدنى من حافة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي والانمائي… لبنان يتصحر، ومواطنوه سينتهون عطشاً وجوعاً و… عتمةً.

 

السابق
الجسر: البلد بحاجة ماسة الى حكومة ولو كانت حكومة أمر واقع
التالي
عن الخلفيّة السياسيّة والاجتـماعيّة للتعديات