زواج منفعة موقت

كي نفهم ما الذي دفع منظمة التحرير وحماس الى الاتفاق، يجب علينا ان نفهم المحيط الذي تعملان فيه: فمن جهة يجري أبو مازن قُدما مع الاعداد لاعلان دولة فلسطينية في يهودا والسامرة وغزة مع تلقيه دعما قويا من اوروبا وربما حتى من البيت الابيض.

وبهذا الايقاع سيصبح في ايلول رئيس دولة حقيقية، دولة كسائر دول العالم. لكنه يرى ان هذا الامر سيكون كارثة. لانه في الساحة الداخلية، الفلسطينية والعربية، سيُتهم بالخيانة لانه تنازل عن حيفا ويافا وتخلى علاوة على ذلك عن اللاجئين في مخيماتهم في لبنان وسوريا والاردن، وفصّل لنفسه دولة على 22 في المئة من فلسطين مع ميزانية ضخمة بالدولار والاورو.

وهكذا حتى لو أفضى الاتفاق الى فوز من جديد للمنظمة الارهابية الاسلامية بأكثر مقاعد المجلس التشريعي كما حدث في كانون الثاني 2006 بل الى فوز "حماس" بمنصب الرئاسة، في الانتخابات التي يفترض ان تُجرى على حسب الاتفاق في غضون سنة، فمن الأفضل لأبو مازن ان يخسر الدولة لـ"حماس" من ان يُعرض باعتباره خائنا.

في الآن نفسه يقف قادة "حماس" ويتطلعون الى رؤية كيف يحتضن العالم أبو مازن ويتجاهلهم برغم ان لهم في غزة دولة كاملة.
يُمكّن الاتفاق قادة "حماس" من الجلوس مع أبو مازن في مقعد السيارة الأمامي وفيه مقودان. هو يمسك واحدا وهم الثاني؛ قدمه فوق دواسة البنزين وقدمهم فوق دواسة الكابح.
لكن السؤال هو من الذي يكون مسؤولا عن اجهزة الأمن لانها هي مراكز القوة الحقيقية.

في المرحلة الاولى ستظل "حماس" مسؤولة عن قطاع غزة ويزوره أبو مازن زيارة أدبية بعد ان يُدخل قادة حماس في السجن نشطاء الجماعات المتطرفة كي يكونوا على ثقة بأنه سيخرج من القطاع حيا. في مقابل ذلك سيحرص أبو مازن على ألا ترفع "حماس" رأسها في يهودا والسامرة وعلى ان يشعر قادتها الذين سيُفرج عنهم من السجن على أثر الاتفاق بالمراقبة المفروضة عليهم.
لا تفترق منظمة التحرير الفلسطينية و"حماس" بعضهما عن بعض في العقيدة فحسب بل – وفي الأساس – بالخلفية الاجتماعية. فمتوسط أعمار نشطاء "حماس" وقادتها من 30 – 40 سنة في حين ان متوسط أعمار نشطاء منظمة التحرير من 60 – 70 سنة.

انه جيل مختلف. فمنظمة التحرير تمثل جيل النكبة المحنك، الذي مضى الى الجلاء وسيكتفي ايضا بانجازات جزئية. وُلد كثيرون منه في المنطقة التي نشأت فوقها اسرائيل في 1948 مثل أبو مازن الذي ولد في صفد. ليسوا "أبناء البلد" لا في رام الله ولا في غزة بل هم اجانب لا ينتمون الى المكان. في مقابلهم، قادة حماس أكثر اتصالا بسكان المكان ولا سيما اولئك الذين في مخيمات اللاجئين الذين ظلوا في الهوامش الاجتماعية والاقتصادية والسياسية منذ 63 سنة. من اولئك الذين كانوا حطابين وسُقاة لأفنديات نابلس ورام الله وغزة.

لن تستسلم اجهزة امن حماس وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام والقوة التنفيذية لبرنامج عمل منظمة التحرير أبدا ولا تفكر اجهزة المنظمة المسلحة حتى للحظة بالعمل بحسب املاءات تأتيها ممن يوالون "حماس". سيظل ازدواج الحكم يقسم السلطة الفلسطينية، وعندما يحين وقت تقاسم جلد الدب – ربما بعد الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية في يهودا والسامرة وغزة – ستطفو الاختلافات على السطح وسنرى كيف تتغلب الحالة الاجتماعية في العالم العربي على السياسة.

السابق
الأحوال الشخصية: أي مسار حقوقي
التالي
السفير عن أوساط: المساعي الأخيرة لم تسهم في تدوير الزوايا