أميركا تقتل أبناءها

يحتاج المرء إلى قدر كبير من السذاجة لكي يصدّق ما أذيع عن تفاصيل مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، التي تبدو أنها أشبه بسيناريو فيلم هوليوودي رديء ينتمي إلى موجة أفلام العنف والقوة التي طالما أنتجها الأميركيون وصنعت مجدهم السينمائي… وربما السياسي أيضا.

لا يمكن أن يكون الخبر كاذباً، بعدما عرضت صور جثة بن لادن المشوّهة، وتورّط الرئيس باراك أوباما والسلطة الباكستانية في إعلانه. لكنه يظل خبراً سينمائياً أو حتى اقتصادياً يهم أسواق المال والنفط التي يمكن أن تتأثر به، أكثر من كونه خبراً في الأمن أو في السياسة… من دون استبعاد احتمال أن يكون جزءا من حملة نفسية أو إعلامية، أو أن يكون جزءاً من انقلاب داخل تنظيم القاعدة نفسه وشبكات الاستخبارات المرتبطة به.

لا يمكن أن يموت بن لادن هكذا برصاصة أو بضع رصاصات في الرأس، وفي اشتباك استغرق أقل من ساعة، وقتل فيه أربعة أشخاص بينهم امرأة احتمى بجسدها أحد الحراس، وسقطت فيه طائرة هليكوبتر من دون أن يصاب أحد من ركابها من المهاجمين الأميركيين بأذى. كان المتوقع أن يكون مقتله بغارة جوية ثم بقصف صاروخي ثم بعملية برية واسعة تليق بمقام الرجل الأخطر في العالم والمطلوب الأول من قبل أميركا… التي لم يكن أحد يشك في أنها كانت حريصة على تصفيته فوراً وتفادي اعتقاله ونقله إلى غوانتانامو ثم إلى محكمة أميركية تفضح أسرار القرن.

أما المكان الذي قتل فيه بن لادن، فهو لا يوحي أبدا بأنه كان متخفياً، بل كان في نقاهة أو في سياحة في بلدة ابوت اباد التي تبعد خمسين كيلومترا عن إسلام أباد، يقيم في منزل من طابقين يقع على بعد أقل من كيلومتر من واحدة من أهم الثكنات العسكرية الباكستانية التي يتخرج منها كبار الضباط الباكستانيين.. وتقول الرواية الأميركية إن البيت أثار الشكوك لأنه محاط بجدران عالية أكثر من ثلاثة أمتار ولا يخرج سكانه منه، بل هم يعمدون إلى تدوير النفايات لكي لا يثيروا الشبهات! وقد تبين بعد العملية أنهم مجموعة لا تزيد على 15 شخصا، أغلبهم من النساء والأطفال، وبينهم تحديداً زوجة بن لادن الصغرى.. مع العلم أنه من الطبيعي لأي متزوج من أربع نساء أن يقضي وقته مع أصغرهن طبعا، حتى ولو كانت تقيم عند الاستخبارات الباكستانية!
الخبر صحيح، لكن تفاصيله مريبة، بل معيبة بحق الأميركيين الذين أثبتوا أن مخيلتهم الواسعة تعادل قوتهم الهائلة، ولا يمكن أن يقعوا مثلاً في خطأ الإعلان عن دفن بن لادن في البحر، حسب الطريقة الإسلامية التي لم تعرف في التاريخ إلقاء ميت في الماء، كما لا يمكن أن يقعوا في خطأ الاعتقاد أن زعيم تنظيم القاعدة بالذات يمكن أن يوصي بقبر محدد وشاهد مرئي، حتى لا يتحول ذلك القبر يوماً إلى مقام أو إلى مزار!

المهم أنه قتل، بطريقة غير أسطورية وغير بطولية، لا من جانبه ولا من جانب الأميركيين الذين تمكنوا أخيرا من التخلص من أحد أبرز أبنائهم… وما زالوا يتابعون تصفية الآخرين الواحد تلو الآخر.

السابق
الناتو في ليبيا: مسؤولية حماية أم تغيير نظام؟
التالي
ملامح صفقة وراء مقتل بن لادن… تنهي احتلال أفغانستان؟