خريطة طريق أميركية

 بكلمات قليلة رسمت الولايات المتحدة خريطة طريق للنظام السوري كي يخرج من أزمته المتفاقمة، موحية بأنها تملك المفتاح السحري لخروج المتظاهرين من الشارع. معالم هذه الخريطة أوضحتها مساعدة وزير الدفاع للشؤون السياسية ميشيل فلورنوي.

قالت فلورنوي:»على سورية الإبتعاد عن إيران والإلتحاق بدول الخليج، والسير في عملية السلام مع إسرائيل». ولم تكن السيدة في حاجة إلى المزيد من الشرح. سبقها إلى ذلك مسؤولون وديبلوماسيون آخرون من الإدارة الجمهورية ثم الديموقراطية، وإن اختلفت أساليب القول وأزمنته، فضلاً عن أن البدائل لهذه الخريطة التي يتبناها الأوروبيون بحماسة أكبر، كانت وما زالت المقياس الوحيد لرضا واشنطن، وسكوتها عن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع والإستبداد، وتحالفها مع الديكتاتوريات.

بمعنى آخر، المطلوب من سورية الإبتعاد عن إيران والإنتقال من دعم «الإرهاب» المتمثل بـ»حزب الله» و»حماس» وفصائل المعارضة الفلسطينية إلى مواجهة النفوذ الإيراني. ولا يخفى على أحد ان الولايات المتحدة وأوروبا وأنظمة عربية عملت بشتى الوسائل على تفكيك التحالف السوري- الإيراني الذي اعتبره العاهل الأردني نواة «الهلال الشيعي» الممتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد.

يعتبر النظام السوري هذه الخريطة «مؤامرة» تستهدفه من الداخل، بعدما فشل الضغط عليه من الخارج. لكن وضعه ما يجري في درعا وغيرها من المدن في إطار هذه المؤامرة، من دون الإلتفات إلى مطالب الشعب وإلقاء اللوم على الآخرين، هو تهرب من تلبية الحاجات الشعبية التي اعترف بها الرئيس بشار الأسد واتخذ بعض الإجراءات لتحقيقها، ويبدو انه لن يعطى الفرصة لتنفيذها، فهناك جهات سورية كثيرة تعارضه من منطلق أيديولوجي ديني وسياسي، وآخر همها مطالب الشعب المحقة. لا بل تتخذها حجة للإستمرار في الضغط عليه، غير عابئة بالنتائج. شعارات هذه الأطراف في التظاهرات وتصريحاتها الإعلامية تؤكد أنها تسعى إلى نزع الشرعية الشعبية عنه (لطالما تغنى الأسد بهذه الشرعية)، تمهيداً لنزع الشرعية الدولية الذي بدأت خطواته الأولى في مجلس الأمن وفي عقوبات أميركية وأوروبية. ولو كان في استطاعة هذه الأطراف اتخاذ إجراءات أشد لفعلت.

لكن علام يراهن الغرب وبعض العرب؟

الواقع أن الولايات المتحدة وأوروبا واجهتا الحركات القومية واليسارية (ايام الإتحاد السوفياتي) بالتحالف مع الإسلاميين، وتريان ان العودة إلى تشجيعهم تساعد في مواجهة إيران والمتطرفين، فمنذ وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض أصبحت واشنطن مقتنعة بأن تشجيع «الإعتدال الإسلامي» على العمل السياسي، لمواجهة التطرف من جهة، والديكتاتوريات العاصية، من جهة أخرى، هو المخرج الوحيد للتأزم الدائم في الشرق الأوسط. في هذا الإطار يمكننا أن نضع «النصائح» التركية المتكررة للأسد، واحتضان أنقرة لـ «الإخوان المسلمين» السوريين. تركيا هي النموذج الإسلامي المرغوب أوروبياً وأميركياً. نجاحها في أن تكون إسلامية وأطلسية في الوقت ذاته يغري بتعميم تجربتها، وتحويلها إلى مثال للآخرين. لكن دون ذلك عقبات كثيرة، خصوصاً في سورية، فالموزاييك المذهبي والديني والعرقي في بلاد الشام ليس أرضية صالحة لتطبيق هذا النموذج. والإنقسام الحاصل في هذه المنطقة الآن، ويمكن أن يتحول إلى حروب أهلية، خير دليل.

معالم الطريق في الخريطة الأميركية القديمة – الجديدة، في حاجة للترجمة إلى العربية، وإلى لافتات توضح مخاطر الإنزلاق إلى حروب مذهبية لن تبقي معتدلاً على اعتداله. 

السابق
الأخبار: قائد الجيش انضمّ إلى سعاة تذليل عقدة الداخليّة
التالي
الجمهورية:بعثة عاجلة لحقوق الإنسان الى دمشق للتحقيق في الانتهاكات