عندما ينزع الجيش بزته

الرئيس السوري بشار الاسد، أطلق في الهواء الاسبوع الماضي وعود عديدة بالتغيير. بدأ هذا بالتعهد بازالة حالة الطوارىء في الدولة، التي دخلت حيز التنفيذ قبل نحو 48 سنة. ولاحقا جاء البيان عن النية لاقالة قائد شرطة مدينة بانياس بسبب قتل مواطنين في مظاهرات، الموافقة على سن قانون اعلامي جديد، قانون أحزاب جديد بل وقانون يسمح لاكثر من خمسة أشخاص بالاحتشاد معا (بمعنى، يجعل المظاهرات شرعية).
ولكن يخيل أن الكثير مما يجري في الاسابيع الاخيرة في سوريا يذكر بسلوك الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي جرب في ايامه الاخيرة في المنصب كل مناورة محتملة كي يواصل التمسك بالحكم. ومثل مبارك قبله، اقال الاسد حكومته، استخدم الزعران بلباس مدني لقمع المظاهرات (في مصر كان هؤلاء يسمون "بلطجية" اما في سوريا فيدعون "شبيحة") ونثر وعودا بالاصلاحات وبتغيير الاشخاص في مواقع أساسية. في هذه المرحلة، لم يصل بشار بعد الى النقطة التي اقتيد اليها مبارك من قبل الجماهير في ميدان التحرير. فهو لم يضطر بعد الى تعيين نائب له ونقل صلاحياته اليه.
هناك فارق بارز آخر بين الاسد ومبارك: في سوريا، حاليا، الجيش يقف بشكل لا لبس فيه الى جانب الرئيس. كما يمكن الافتراض بان الاسد، مثل حاكم ليبيا معمر القذافي قبله، استخلص الاستنتاج المنطقي للحاكم في وضعه، من مصيبة مبارك. الحكمة هي استخدام الحد الاقصى من الوحشية وتجاهل الاحتجاجات الامريكية. هكذا فقط يوجد احتمال للبقاء في الحكم. الاسد والقذافي، خلافا لمبارك لم يعتمدا مسبقا على تأييد أمريكي وعليه فانهما يريان نفسيهما معفيين من القيود التي فرضت على الرئيس المصري. ولا يزال، الكلمة الاساس في سوريا هي "لا يزال": التأييد العسكري للاسد كفيل هو ايضا بان يتبدد. الجيش واجهزة الامن ذبحوا، بأمره، المواطنين في درعا، في اللاذقية، في حمص وفي حلب. هذا لا يمكن أن يستمر الى الابد.
الاقلية العلوية، التي ينتمي اليها الاسد، وان كانت تمسك بمعظم المناصب ذات الاهمية في الجيش، ولكن يوجد ما يكفي من الضباط السُنة في مواقع حساسة، سيفكرون بهجر الرئيس اذا واصل التورط. رجال من الجيش والشرطة فروا منذ الان الى المعارضة في مصر، في تونس، في ليبيا وفي اليمن.
وفي هذه الاثناء، سيواصل الاسد محاولة تقليص الاضرار. الاعلان عن اصلاحات والعيش من الجمعة الى الجمعة، ايام المظاهرات الكبرى، على امل أن يقل عدد المشاركين فيها على نحو سحري. واضح أن الرئيس ورجاله يحاولون ابقاء دمشق خارج دائرة الاضطرابات، حتى الان بنجاح. هذا ايضا فارق بارز بالقياس الى مصر. في المركز السلطوي التاريخي لسوريا يكاد لا يسجل احتجاج على مستوى واسع. اذا اندلعت الاضطرابات في دمشق ايضا فسيضطر بشار، عقيلته اسماء وباقي ابناء عائلته الى البدء بالبحث عن ملجأ من الجماهير الغاضبة. طهران كفيلة بان تكون حلا مناسبا لهم.
المقارنة التاريخية سطحية، وبالتأكيد غير دقيقة. ربيع الشعوب العربية ليس صيغة متكررة لانحلال الكتلة الشرقية في اوروبا في نهاية الثمانينيات. وليس مثلما في شرقي اوروبا، ليس في الشرق الاوسط لبنة واحدة (على نمط الاتحاد السوفييتي) اخراجها يدفع الى الانهيار بالمبنى بأسره. ولا يزال، لا يمكن تجاهل منظومة التأثير بعيدة المدى التي تعمل بين دولة عربية وشقيقتها. فاسقاط الدكتاتوريين يسرع تطورات مشابهة في دول اخرى. في عالم الجزيرة، مشكوك أن يكون بوسع الشاب في دمشق المخاطرة بواقع تكون فيه الحقوق صفر في الوقت الذي ابن جيله في القاهرة يتلقى لاول مرة الفرصة لاسماع صوته.

السابق
اجراءات أمنية مشـددة رافقت التحرك في طرابلس تضامناً مع الانتفاضة في سوريا
التالي
ما عادوا أحراراً