النظام السوري و”سيناريوهات” لَحس المَبرد الإيراني

ثمّة قطبة مخفية، لدى كثير من الدوائر ومراكز الدراسات الإستراتيجية، في فهم خلفية اتهام النظام السوري لـ "تيار المستقبل" كما لأطراف سعودية مؤثرة، بالضلوع في "المؤامرة" التي تستهدفه.

القطبة تتجلى في أسئلة إشكالية مثيرة، أبرزها الآتي:

أولا: ما هي مصلحة هذا النظام في تضخيم دور تيار سياسي، ثبت بالتجربة الميدانية، أنه لا يملك مؤهلات أمنية وعسكرية، ولم يعمل على إيجاد "ممرّات آمنة" له ضمن المؤسسات العسكرية، طالما أنّ قرار عدم العودة العسكرية السورية الى لبنان قائم وثابت؟

ثانيا: ما هي الثمار التي يقطفها النظام السوري، من تصوير الحالة السنيّة العربية، بدءا بلبنان مرورا بتركيا وصولا الى الخليج العربي، بأنها حالة معادية له، طالما أن الغالبية المكوّنة للشعب السوري تنتمي الى الطائفة السنية، إلا إذا كان يهدف عمليا الى إعطاء مصداقية لتصوّر سقط في كل الأمكنة الأخرى، عن وجوب توحيد الأقليات السورية الحاكمة أو المحمية، من أجل أن توفّر مظلة واقية له من الانهيار، بإقحامها في نزاعات أهلية؟

ثالثا: إن القول برفع شأن القومية السورية حيال التدخلات الخارجية، يبقى مستقيما طالما أن الصراع هو صراع هويات قومية. ولكن، ألم تثبت التجارب الكثيرة أن إضفاء بُعد طائفي على التدخلات الخارجية في زمن الثورات، من شأنه أن يقتل البُعد القومي للشعوب، ويسقط الأنظمة المراهنة عليها؟

رابعا: لماذا القفز الى اتهام مرجعيات سعودية بتغذية الاضطرابات الشعبية في سورية، في زمن الشكوى العارمة من الإعلام، حيث لا نقاش حول التأثير الحاسم للمال السعودي؟

خامسا: ما سِرّ هذا التدهور في العلاقات التي كانت متينة مع قطر، الأمر الذي تجلّى، ليس في "التغييرات" الحاصلة على سلوكيات قناة "الجزيرة" فحسب، بل تخطتها الى كل المقيمين في قطر أو المدعومين منها، وبينهم من كانوا سابقا أصدقاء حميمين للرئاسة السورية (عزمي بشارة مثلا)؟

لا أجوبة مقنعة عن هذه الأسئلة الإشكالية بعد، إلا أن كثيرا من "التكهنات" تحوم حول صِلة ذلك بالمحور الإقليمي الذي تنتمي إليه دمشق.

وفي سياق هذه التكهنات، ثمّة من يبحث في الأجوبة من خلال طرح سيناريوهات عدة، يمكن تلخيصها بإثنين:

أولا: هل صحيح أن "حزب الله"، ومن أجل ردّ التهم الأولية التي وجهت إليه بالمشاركة في قمع التظاهرات الشعبية السورية، أراد أن يبعد الأنظار عنه، بما فيها أنظار الدعاية السياسية غير المبنية على وقائع ثابتة وصحيحة، من خلال إثارة موضوع تدخّل "تيار المستقبل" لمصلحة "الثوار"، الأمر الذي دفعه الى شَن حملة دعائية، أسقطت النظام السوري في حفرة مموّهة بالرمال المتحركة؟

هذا السيناريو يعود الى أن التهمة لـ "تيار المستقبل" لم تبدأ من دمشق، إنما بدأت من أجهزة إعلامية متصلة مباشرة بـ"حزب الله"، وانتقلت لاحقا الى أجهزة إعلامية تشكّل مساحة مشتركة بين النظام السوري وبين "حزب الله"، لتستقر نهائيا في الأجهزة الإعلامية التابعة للنظام السوري.

ثانيا: هل صحيح أن إيران التي سارعت الى إعلان تمايزها عن الموقف السوري المؤيّد لمملكة البحرين، خيّرت النظام السوري بين تواصل الحلف المتين بينهما، وبالتالي الحصول على الدعم المطلوب من إيران، وبين فرط هذا التحالف بالانضمام الى وجهة النظر الخليجية من التطورات الإقليمية، وتاليا قدّمت له معلومات دعائية عن أدوار سعودية تقف وراء الانتفاضة الشعبية، فاختارت القيادة السورية أن تسير قدما في اتجاه تعزيز الثقة بينها وبين إيران؟

هذا السيناريو يعود الى أنّ أحدا لم يجد أي مصلحة للنظام السوري، في ظل هذا الواقع المأزوم جدا في العلاقات الخليجية – الإيرانية، أن يذهب، مباشرة، إلى معاداة جزء مؤثر من صناعة القرار في السعودية، في وقت كان الإعلام السعودي أو الإعلام المتأثر بالرؤية السعودية للأمور، يَقف كليا الى جانب الرئيس السوري بشار الأسد ويَغضّ الطرف عن المنتفضين عليه.

ولعلّ الوحدة الخليجية، وهي وحدة طارئة، هي التي جعلت قطر التي نشرت صحافتها مقالات قاسية جدا، وغير مسبوقة أصلا، ضد "حزب الله"، تترك المجال رحبا أمام إعلامها وأمام ضيوفها، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، لاتّخاذ مواقف مفاجئة للنظام السوري.

الأسئلة المطروحة في أكثر من مكان هي إشكاليات، فيما السيناريوهات حيالها لا تزال محور تكهّنات، يجري العمل على تعميقها، ولكن ذلك لا يخفي، مرة جديدة، أن العلاقة السورية بـ "حزب الله" لبنانيا وبإيران خليجيا، تجعل النظام السوري مثله مثل ذاك الذي يدفع أثمانا باهظة لشراء مَبرد… يَلحَسه!

• بيتر سمعان، باحث ميداني في مراكز دراسات دولية تعنى بالشرق الأوسط، وقد تمّ الاتفاق بينه وبين "الجمهورية" على تزويدها بمقالات ودراسات وتحقيقات.

السابق
“فيتو إسرائيلي” يمنع تمويل “الأونروا”
التالي
بغداد: الإعدام لـ3 عراقيين دينوا باغتيال معارض في بيروت