وهم الامبريالية الإنسانية

منذ عدة أسابيع، عندما أكد أوباما في تقاريره للمسؤولين في الكونغرس أن التدخل الأمريكي في ليبيا لن يدوم أكثر من “ أيام و ليس أسابيع “ قلق المشككون خطأً من أن تتحول المهمة إلى حبوٍ بطيء، و لعله كان حرياً بهم أن يتخوفوا من سرعتها، أو ربما تعثرها، جرت العادة في مثل هذه المحن التي صارت من شيم السياسة الخارجية الأمريكية أن نسأل أنفسنا: ماهي الخطة البديلة؟ إلا أن سؤال اليوم هو: ماهي الخطة الأساسية أصلاً؟! حين أقحم أوباما أمريكا فيما دعي وقتها، و في الظاهر مازالت كذلك، بالحرب الوقائية لحماية المدنيين الليبيين من حكومتهم، تغاضى عن توضيح بعض الأمور، ومنها مثلاً: ما إذا كان من الصحيح لنا الاستمرار في معاملة المسلحين الذين يحاولون الإطاحة بحكومتهم على أنهم مجرد مدنيين
طبعاً هذا تساؤل أجوف إن وضعنا في أذهاننا أن أحداً من الليبيين لن يكون آمناً طالما استمر معمر القذافي في السلطة، إن كان هذا صحيحاً، فلابد أن تغيير النظام هو حتمية منطقية للامبريالية الإنسانية، أليس كذلك؟!!
هل لاحظت حملة الدعاية التي أطلقتها الحكومة لدعم كافة أقسام الجيش و القوات المسلحة الإمريكية، سواءً على التلفاز، أو في وسائل الإعلام، أو المطارات أو غيرها، و كيف حاولت الحكومة في حملتها هذه أن تظهر للناس أن الجيش الإمريكي إنما هو منخرط في عمليات إغاثة إنسانية بحتة، من توزيع للطعام و الدواء؟ هذا كفيلٌ طبعاً بإظهار الجيش الأمريكي على أنه الصليب الأحمر و لكنه، لأسباب غير واضحة، صليبٌ أحمر مسلح، و نظراً إلى أنه من الصعب تأمين المجندين في بعض من أقسام الجيش الأمريكي بسبب الهدف العسكري الرئيسي لمثل هذه الأقسام – الحفاظ على درجة عالية من التأهب تحسباً لأي حرب –ليس من المستغرب إذاً أن تجفل إدارة أوباما من كلمة «حرب».

لقد تخلت الإدارة عن تبنيها لمصطلح " الفعل العسكري الحركي" ذلك المصطلح الفضفاض المبهم الذي لم يكن ليدوم طويلاً، و الذي استعمل مراراً ليبرر تسليح كل تلك السفن و الطائرات بهذا الكم الهائل من الذخيرة، و بتخلي إدارة أوباما عن هذا المبدأ صادقت دون أن تدري على قانون جورج أورويل ( في مقالته عام 1946 "السياسة و اللغة الإنكليزية") القائل " إن عدونا الوحيد و الصريح هو المراء."
و الآن يتوجب على الإدارة أن تقرر طريقة توصيف أولئك الذين ذهبنا باسمهم إلى الحرب، إنهم "ثوار"، و أمريكا، التي ولدت من الثورة و التي بنت حضارتها على مسائلة السلطة، تميل في المجمل إلى النظر بشكل إيجابي إلى الثوار، كان الأمر على هذه الحال خلال الستينيات، و بالأخص في حرم الجامعات، ففي إحدى هذه الجامعات، آنتيوتش، تجمع الطلاب، المشحونين بالمثالية فقط دون معلومات صحيحة أو حتى خاطئة، ليشاهدوا الفيلم الوثائقي "كي أموت في مدريد" عن الحرب الأهلية في أسبانيا. و حين تحدث الراوي في الفيلم واصفاً مجموعة من الجنود، " تابع الثوار تقدمهم إلى مدريد،" هتف الطلاب مهللين،غير مدركين أن هؤلاء الثوار ماهم إلا فاشيو الجنرال فرانكو.
إذاً ليس كل الثوار محببين، لذا عندما قالت الإدارة إن أحذية الجنود الأمريكيين لن تطأ أرض ليبيا، فقد تركوا مجالاً لأحذية أمريكية يلبسها عملاء الـ سي آي إي. من الواضح أن بعضهم متواجد الآن بين المتمردين وهم يدندنون أغنية رودجرز و أوسكار هامرستين
أن أتعرف عليك، أتعرف على كل شيء عنك أبدأ بالإعجاب بك، و أتمنى أن تعجب بي
لعله كان من الأفضل لعملاء الـ سي آي إي أن يبقوا في ديارهم و أن يتحدثوا إلى بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذي يبدو أنهم يعلمون ما يعلمون. يشير السيناتور جون كيري(الديمقراطي) إلى "الثوار الليبيين" على أنهم جزء من " حركة ما قبل الديمقراطية."

و لعلهم كذلك. فيما ذهب السيناتور ليندسي غراهام إلى حد القول في برنامج (واجه الأمة) التلفزيوني، " ينبغي علينا أن ننقل القتال إلى طرابلس."
حسناً على الأقل لم ننتقل (بعد) للقتال في ياموسوكرو، عاصمة ساحل العاج. وبشكل افتراضي يخضع أعضاء “مجلس أحرار ليبيا”– الذي لا يوجد بشكل رسمي بعد – لقاعدة “ R2P” و هو اختزال لمبدأ “مسؤولية الحماية.” لقد أصبحت هذه الأمة رأس حربة للامبريالية الإنسانية، و هو فكر كفيل بإبقائنا مشغولين لفترة طويلة. فاليوم يتزامن تدخلنا “الجريء” في ليبيا مع كارثة إنسانية في ساحل العاج، حيث تتساقط الضحايا بالمئات، و يخلّف القتال مئات الآلاف من النازحين. إلا أنهم في الوقت الراهن عليهم أن يقبلوا مؤقتاً بعون مجلس الأمن و فرنسا، ريثما تلتفت إليهم امبريالية واشنطن الإنسانية.

إن عجز أوباما، أو إحجامه، عن إيضاح سبب تورطنا في ليبيا أو على الأقل، متى يمكن لنا و تحت أي ظروف أن نردد جملة بوش الشهيرة “تمت المهمة”، كل هذا وضع هذه المهمة موضع المقارنة مع حربنا في العراق. و لعل المقارنة الأكثر تضاداً هي في غزو جيمي كارتر لإيران – الأمة التي يعادل حجمها حجم فرنسا مرتين، بثماني طائرات مروحية فحسب. لقد أصبح هذا الأمر رمزاً لرئيس متخبط لا يعرف قدر نفسه.

حين ترك كالفين كوليدج، و الذي كان يعرف تماماً قدر نفسه، الرئاسة في آذار من عام 1929، قال، “لعل أهم الإنجازات التي حققتها خلال فترة رئاستي كان الاهتمام بشؤوني الخاصة.” لكن قبل أن تتمكن إدارة ما من فعل ذلك، يجب عليها أن تحدد مسؤولياتها و كفاءاتها، وأن تتحلى بقدر كافٍ من التواضع لتقر بأن بعض الأمور ليست من اختصاصها أو ضمن نطاق قدراتها!!

ترجمة طارق فيصل الحسن

السابق
قصة رسالتين: فلسطينية وإسرائيلية
التالي
أوباما على المسار الصحيح لانتخابات 2012